آخر الأخبار


الاثنين 19 مايو 2025
من القصص التي عشتها ولا أنساها أبدا ما حييت أنني أثناء وجودي في مصر في عام 2018م جاءني صديق مصري، وبعد أن مكث عندي قليلا طلب مني أغرب طلب كنت أتوقعه منه، وهو أن أرافقه إلى عزاء أحد أقاربه.
وقد ذهبت معه ولو كنت أعلم بما سيحدث لي في ذلك العزاء ما خطوت من الشقة خطوة واحدة.!
كنا سنركب سيارة أجرة لكنه أصر على أن نركب الحافلة بأجرة ثلاثة جنيه ونصف لكل واحد منا، صعدنا فلم نجد الا كرسيا واحدا فأصر وأقسم بأن أجلس أنا قائلا:
_ ما يصحش يا راجل دا أنت ضيف عندنا.
جلست وبعد نصف ساعة كانت الحافة قد ملئت بالركاب وكثر الواقفون رجالا ونساء حتى لم يبق فيها موضع قدم.!
إحدى النساء المسنات كانت واقفة والعرق يتصبب منها فثارت في شهامة أصل العرب ونخوتهم فوقفت وأجلستها في مقعدي.
بعد قليل صرخت إحدى النساء الواقفات:
_ إلحقوني يا ناس الجدع دا مد إيده..
ولم تكمل كلامها فقد هجمت الجماهير الغفيرة على الشاب الذي بجوارها هجمة رجل واحد وأوسعوه ضربا ثم ألقوا به خارج الحافلة مشيعا بلعناتهم.!
وربما أعتقد سائق الحافلة أنها ستتمدد وتتوسع كلما كثر الركاب فيها فكان يقف لكل يشير إليه حتى صرنا كأعواد الثقاب المتراصة بعلبة كبريت ممتلئة.!
ورأيت صديقي وقد صار بعيدا وهو يشير إلي فلم أدر ماذا يريد مني بعدها خاض الزحام الشديد حتى وصل إلي وهو متقطع الأنفاس يلهث ويتصبب عرقا فقال:
_ خلي بالك من موبايلك وفلوسك .
هززت رأسي موافقا.
ثم جرفه التيار المتلاطم بعيدا عني فوضعت إحدي يداي على هاتفي والأخرى على فلوسي الثلاثة آلاف جنية والتي لا أملك غيرها.
وبينما توقفت الحافلة ليصعد أحد الركاب قفز منها أحدهم وجرى مسرعا وحينها صاح رجل مسن:
_ محفظتي يا ناس. الحرامي ابن الكلب نشلها.
توقفت الحافلة بينما كان الشاب الذي فر منها قد غاص في الزحام.!
أجهش الرجل بالبكاء فواساه الركاب ببعض الكلمات وأشاروا عليه بأن يذهب للقسم ويسجل محضر لعل وعسى.
واصلت الحافلة سيرها ولم نكد نمضي قليلا حتى صرخت إحدى البنات:
_ إلحقوني يا ناس الشاب دا بيعاكسني.
وحينها هبت الجماهير الحاشدة وهجمت على الشاب هجوم التتار على بغداد حيث قامت بالواجب على أكمل وجه ونال الشاب المعاكس الضرب المبرح حتى كاد يلفظ أنفاسه، لقد ضربوه ضرب حمار دخل المسجد.!
كان الجو حارا يخنق الأنفاس وقد تصبب العرق مني وتعبت وأنا متشبث بجيوبي تشبث الغريق، وبدأت أتعب وحينها صاح بي صديقي بأننا قد وصلنا.
وصاح بسائق الحافلة بأن يتوقف فلم يسمع من شدة الزحام والضجيج وصوت المسجل العالي وحينها صار يصيح بكل صوته:
_ يا عالم ياهو قولوا للسواق المجنون دا يوقف.
وبعد صرخة جماعية مزلزلة من ركاب الباص توقف السائق الذي يبدو أنه كان سارحا في ملكوت الله.!
ونزلنا ومضينا في إحدى الحارات الشعبية حتى وصلنا لسرادق العزاء حيث وجدنا العشرات من المعزين بملابسهم السوداء يحتسون القهوة بصمت.
سلمنا على أهالي الفقيد وعزيناهم ثم جلسنا وشربنا القهوة بصمت مثلهم بينما المقرئ يرتل آيات القرآن في زاوية الصوان.
بعد دقائق صرخ صاحبي صرخة أسقطت بسببها فنجان القهوة من يدي وشعرت بأن قلبي قد سقط بين أقدامي:
_ يا نهار أسود يا مصيبتييييي يا مصيبتييييي.
وقام يلطم خدوده ويشقق ثيابه بينما وقف معه بعض الناس:
_ وحد الله كلنا سنموت، كلنا لها.
_ أنت إنسان مؤمن. لا إله إلا الله.
_ الميت يتعزب ببكاء أهله.
_ البقية في حياتك خليك مؤمن مش كده.
أجلسوه بالقوة بجواري وهو ما يزال يبكي بقوة كأنه طفل أخذوا أمه إلى السجن أمام عينيه.!
قلت له مستغربا:
_ دا أنت تحب قريبك أوي.
_ قريبي مين ؟ المحظة بتاعي نشلوها بالأتوبيس وفيها مصروف الشهر كله.
قلت له مواسيا:
_ يا راجل ربنا يعوض عليك أهم حاجة الموبايل موجود.
تحسس جيبه الثاني ثم صرخ صرخة أعظم من الأولى:
_ كله راح كله راح.
قام إليه بعض الناس يصبرونه ويعزونه في الفقيد الله يرحمه بينما واصل البكاء والنحيب.
عندما هدأ بعد نصف ساعة قلت له معاتبا:
_ مش عيب راجل زيك مسبع مربع وينشلوا منه كل حاجته ؟!
فعاد للبكاء والنحيب من جديد وهو يقول:
_ أروح من سعدية فين ؟ مراتي حتطين عيشتي ومش بعيد تضربني علقة ما أكلهاش حمار في مطلع.
واصلت عتابه:
_ وجاي لعندي مخصوص علشان تحذرني من النشالين ؟! كنت تنفع نفسك.
وكأنني أصب الزيت على نار جروحه فزاد في البكاء وصرنا فرجة لجميع المعزين.
بعد قليل أردت معرفة الوقت فمددت يدي إلى جيبي لأرى الساعة بالتلفون فإذا بالصدمة المرعبة: لقد نشلوا هاتفي فصرخت:
_ يا مصيبتييييي يا فضيحتييييي سرقوا التلفون.
وكدت أجهش بالبكاء فتحلق حولي بعض الناس:
_ يا أستاذ وحد الله كل حاجة تتعوض.
_ يا أستاذ فداك أهم حاجة أنت بخير.
_ لا إله إلا الله دا ما بقاش عزاء دا قسم شرطة.
_ وحد الله أنت مؤمن والمؤمن منصاب.
جلست على الكرسي بجوار صديقي الذي ما يزال يبكي وحينها تحسست جيبي الآخر فلم أجد نقودي فوقع قلبي من الخوف ووقفت ونزعت الجاكت وبقيت أقلبه فلم أجد شيئا فرميت به وأجهشت بالبكاء:
_ سرقوا كل حاجة أولاد الكلب.
واقترب مني صديقي يواسيني ويعاتبني:
_ مش عيب راجل زيك متسربع.. قاطعته:
_ إيه متسربع دي؟ قصدك مسبع.
_ أيوه مسبع متربع .. قاطعته:
_ قصدك مربع.
_ مش عيب واحد راجل زيك مسبع مربع وينشلوا منه كل حاجته.
ووجدت نفسي أضحك رغم كل القهر والألم، وانتقلت عدوى الضحك لصديقي فبدأ يضحك وحينها تجمع حولنا بعض المعزين وبدأوا يصرخوا فينا:
_ أنتوا بتضحكوا في العزاء يا اللي ما تستحوش؟!
_ أنتوا جايين تبوزوا العزاء ؟
_ أنتوا قلبتوا العزاء لسيما يا أولاد...
وهطل علينا ضحك هستيري غريب، ضحكا كالبكاء فبقينا نتمرغ في الأرض من شدة الضحك وحينها هجموا علينا هجمة رجل واحد وأشبعونا ضربا وصفعا وركلا ثم حملونا ورمونا خارج خيمة العزاء، ورغم ما بنا من الضرب والآلام فقد بقينا نضحك.!
نبيل شمسان محافظ بلا ضمير
حفلة تخرج أم حفلة "ردة"؟!
ضحك تحت الضغط.. قصة من شوارع القاهرة
المدير السكران ..
كفى عبثًا...
خطوة مذهلة لأبناء حضرموت تفرح ملايين السعوديين