الأحد 6 يوليو 2025
قتل معلمي القرآن... نهج الإمامة منذ ستة قرون
الساعة 01:20 مساءً
سعيد ثابت سعيد سعيد ثابت سعيد

• دوّن المؤرخ زين الدين أحمد بن عبد اللطيف الشرجي الزبيدي، الفقيه الزيدي من المدرسة الهادوية، في سنة 793 للهجرة، مأساة فقيه شافعي قُتل على يد الحاكم الإمامي بسبب دعوته إلى السنة وتحذيره من البدعة. في كتابه (طبقات الخواص: أهل الصدق والإخلاص)، لم يتردد الزبيدي في توثيق الحادثة وإدانة ما رافقها من ظلم وسفك ونهب، رغم انتمائه للمذهب الحاكم.

• الشيخ أحمد بن زيد الشاوري، عاش في تهامة، واشتهر بعلمه وزهده وأمانته. ألّف رسالة تحث على لزوم السنة، فاستفزت الإمام محمد بن علي الهدوي، الملقب بصلاح الدين، فقاده الغضب إلى إرسال حملة عسكرية قتلت الشيخ وابنه أبا بكر وعددا من أهله وأصحابه.. لم تكتفِ الحملة بالقتل، بل نهبت الأموال المودعة في داره، وخلّفت الدمار وراءها.

بعد أسابيع، سقط الإمام من على دابته، وتوفي فجأة. رأى معاصروه في موته عقوبة إلهية. ورثاه الفقيه شرف الدين المقري بأبيات مؤلمة، أدانت الإمام القاتل، وخلّدت مظلومية الشيخ الشهيد:

لقد أطفأت للإسلام نورا*** يضيء العلم منه والصلاح

فتكت بأولياء الله بغيا*** وعدوانا ولج بك الجماح

فتكت بأحمد فانهدَّ ركنٌ*** من الإيمان وانقرض السماح

فلا تفرح بسفك دم ابن زيدٍ*** فما يرجى لقاتله فلاح

• بعد ستة قرون، وفي الأول من يوليو 2025، تكررت المأساة في محافظة ريمة؛ الشيخ صالح أحمد حنتوس، معلم قرآن سبعيني، عاش في قرية نائية، وكرّس حياته للتعليم. لم يعلن خصومة، ولم يؤذ أحدا، لكنه رفض أن يورّط طلابه في برامج التعبئة الحوثية، فلم تحتمل السلطات هذا الرفض الصامت. حاصرت ميليشيا الحوثي بيته، وقصفته بالقذائف، فاستشهد مع أقارب له، وأصابوا زوجته الفاضلة بجراح خطيرة. خطفوا أبناءه وأبناء أخيه، وسلبوا جثته من أهله، وأبعدوها عن القرية كما لو أرادوا محو أثره.

هؤلاء لا يطيقون معلما لا يسبح بحمدهم. يخافون من الكلمة أكثر من السلاح. من يعلم الأطفال أن "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، يهدم أساس امتيازهم السلالي، لذلك يستهدفون هذا النوع من الشيوخ ليس لأنهم يشكلون خطرا مباشرا، وإنما لأنهم يزرعون الحصانة ضد الاستعباد.

السلاليون لا يكتفون بمواجهة السلاح، فهم يطاردون الكلمة الحرة، والتعليم المستقل، وكل وعي يهدد سلطتهم. المسجد الحر يقلقهم، والمعلم الذي لا يربط الدين بالطاعة لهم يتحوّل في أعينهم إلى عدو يجب إسكات صوته أو إخماد روحه.

• ما فعله الإمام الهدوي في تهامة فعله الحوثيون في ريمة.. كلاهما رأى في التعليم تهديدا، وفي الفقيه خطرا. كلاهما أرسل الحملة، وقتل، ونهب، واختطف. تغيّرت الأدوات، وبقي المنهج والأسلوب كما هو.

• إن استشهاد الشيخ صالح حنتوس حرر الحقيقة من الصمت، ودفعها لتواجه قاتليه.. من جلسوا إليه سيحملون صوته، ومن رأوا دمه سيروون قصته.. والأجيال التي ودعته ستبني ذاكرتها على ما علّمه، وعلى وقفته الأخيرة.

لقد أرّخ الزبيدي جريمة (تهامة) قبل ستة قرون، وخلدها.. وما وقع في (ريمة) يسير في الدرب ذاته، ويظل حاضرا في ضمير الأجيال.

• تاريخ القمع يطرح السؤال نفسه في كل جيل: لماذا يخافون من معلّم القرآن؟

لأنهم لا يحتملون ضوءا ينبثق من غيرهم.

يتغير القاتل، لكن الدم واحد، والخوف هو الخوف، والجريمة هي الجريمة.

** من صفحة الكاتب على الفيسبوك


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار