آخر الأخبار


الاربعاء 25 يونيو 2025
في خضم القلق الاقتصادي والمخاوف الإقليمية والاجتماعات المتلاحقة في العاصمة المؤقتة عدن، صدر بيان الأمانة العامة للمكتب السياسي للمقاومة الوطنية ليضع إصبعه بهدوء على موضع الخلل: غياب المؤسسية وتراجع مبدأ الشراكة الوطنية.
لم يكن البيان صداميًا، ولم يتحدث بلغة الخارج عن الشرعية، بل انطلق من داخلها، وبأدواتها، ومن موقع الفعل في الميدان، لا من موقع المُزايد السياسي أو الناقد العقيم.
لم ينتقد البيان اللقاءات نفسها، بل تساءل: كيف نناقش تحديات اليمنيين اليومية في غياب الحكومة المعنية؟ وكيف يُعقد اجتماع يُقال إنه تشاوري مع المكونات دون إشراك مكون بحجم المقاومة الوطنية، التي ما تزال خارج تشكيلة هيئة التشاور والمصالحة لأسباب غير واضحة؟
المفارقة ليست فقط في تغييب مكون فاعل، بل في أن التمثيل داخل الهيئة هو المعيار الرسمي للدعوة للتشاور، ما يجعل تغييب بعض القوى قرارًا مزدوجًا: غيابًا عن الهيئة وغيابًا عن النقاشات المصيرية.
ليس من الحكمة أو العدل التعامل مع الشراكة الوطنية كمساحات مؤقتة تُفتح وتُغلق على المزاج، أو منح بعض القوى مرونة في التمثيل، بينما تُقصى أخرى رغم حضورها الوازن في المعادلة الوطنية.
البيان فعل ما يجب أن تفعله القوى الشريكة: لم يصرخ، لكنه نبّه؛ لم يزايد، لكنه سأل: هل هكذا تُدار مؤسسات الدولة؟ ولم يُطالب بأكثر من احترام الهيكل والميزان، وإعادة الأمور إلى نصابها القانوني والمؤسسي بما يتوافق مع الظروف الراهنة.
إن ما يحدث اليوم قد يراكم أزمات الغد، في الداخل حين يشعر طرف فاعل بأنه خارج دائرة القرار، وفي الخارج حين تُقرأ الرسائل السياسية من رأس الدولة وكأنها صادرة من نصف الشرعية لا كلّها.
الدعوة لتمثيل المقاومة الوطنية في هيئة التشاور والمصالحة، ومشاركتها في الحكومة، ليست طلب مقعد، بل طلب مؤسسية وعدالة تمثيل. ورئيس مجلس القيادة يملك صلاحية تعديل عضوية الهيئة أو زيادتها لتعزيز التوافق الوطني، مما يجعل تصحيح التمثيل واجبًا وممكنًا متى وُجد الخلل.
من المهم التذكير بأن المكتب السياسي للمقاومة الوطنية كيان مستقل، يتمتع بحضور سياسي وإداري فاعل، ويستحق التمثيل بذاته، لا من خلال مظلة مكونات أخرى.
وعلى صعيد الفعل السياسي، تمكن المكتب من تشكيل ثالث أكبر كتلة برلمانية داخل مجلس النواب، ما يعكس تأثيره السياسي المتزايد وقدرته على المشاركة الفاعلة في صياغة القرار الوطني.
بينما جاءت لغة البيان هادئة ومسؤولة، حاولت بعض المنابر الإعلامية إخراجه من سياقه، وجرّه إلى معارك جانبية عبر تفسيرات مؤدلجة تسيء إلى أسماء ومواقف كبرى في المنطقة، وكأنها تبحث عن أزمة مفتعلة بدلًا من مناقشة المضمون بروح المسؤولية. هذه الحملات لا تستهدف البيان بقدر ما تستهدف فرص التصحيح، وتضعف فكرة التعدد داخل الشرعية.
ما طرحه البيان هو الحد الأدنى من الانضباط المؤسسي: حضور الحكومة عند مناقشة اختصاصاتها، وعدم إدارة شؤون الدولة في دوائر مغلقة، وتصحيح خلل التمثيل كي لا يتحول إلى قاعدة.
وبما أن البيان نبّه، فالخطوة التالية المنطقية هي الاستجابة الحكيمة بمراجعة آلية تشكيل هيئة التشاور، وإدماج جميع الشركاء الفاعلين في صنع القرار الوطني، لا على قاعدة الترضيات، بل على قاعدة الشراكة والتكامل.
الشرعية التي صمدت أمام الانقلاب الحوثي يجب أن تصمد أمام اختلالاتها الداخلية عبر النقد من الداخل، والتصحيح الهادئ، والتواضع المؤسسي.
البيان وضع عنوانًا واضحًا: لا مؤسسات دون شراكة، ولا شرعية دون توازن، ولا استقرار دون احترام وزن الجميع.
فهل نبدأ التصحيح الآن، أم ننتظر المزيد من البيانات؟