آخر الأخبار


الثلاثاء 6 مايو 2025
"لقد انهارت حياتي تماماً"، يقول محمد مانع، الموظف الحكومي في إحدى الوزارات بصنعاء، وهو يسترجع ذكريات حياته المستقرة قبل أن تنقلب رأساً على عقب عام 2016، حين توقفت رواتبه مع مئات الآلاف ممن يعتمدون على الوظيفة العامة كمصدر دخل رئيسي في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين. تراكمت عليه الديون، واضطر لإعادة أسرته إلى قريته بعد عجزه عن دفع إيجار الشقة في العاصمة، وحُرم أولاده من التعليم، بينما يقضي معظم أيامه في البحث عن فرصة تسد رمق أسرته.
تسلط قصة محمد الضوء على مأساة جماعية يعيشها موظفو الدولة في تلك المناطق، في ظل تبريرات متكررة يطلقها الحوثيون، تُحمّل المسؤولية لأطراف خارج سلطتهم، على الرغم من أن الوثائق والمعلومات المتوفرة تؤكد سيطرتهم على موارد الدولة، وفرض جبايات متزايدة، دون دفع الرواتب.
يتناول هذا المقال الاستقصائي، أسباب امتناع الحوثيين عن صرف المرتبات في مناطق سيطرتهم ويفنّد سردياتهم المختلفة، من خلال تحليل الموارد المالية المتاحة لهم، للكشف عن كيف تحوّلت الرواتب من استحقاق دستوري إلى ورقة ضغط تُستخدم لإعادة تشكيل المجتمع وعرقلة جهود السلام.
الخلفية والسياق
في 21 سبتمبر 2014، اجتاح الحوثيون العاصمة صنعاء، وأفضى ذلك إلى توقيع اتفاق "السلم والشراكة" برعاية الأمم المتحدة، مما منحهم مكاسب سياسية واسعة، لكنهم سرعان ما انقلبوا عليه، وسيطروا على مؤسسات الدولة، وفرضوا الإقامة الجبرية على الرئيس عبد ربه منصور هادي وأعضاء حكومته، قبل أن يتمكن هادي من الفرار إلى عدن مطلع 2015.
وخلال أكثر من عام ونصف، ظل البنك المركزي بصنعاء يستقبل الموارد العامة تحت إدارتهم، في ظل هدنة غير معلنة رعتها أطراف دولية، لضمان استمرار دفع رواتب موظفي الدولة. لكن سوء الإدارة ونهب الإيرادات من قبل الحوثيين استنزف احتياطيات البنك من النقد الأجنبي بشكل كبير، مما أجبره على تجميد جميع نفقات القطاع العام، وتعليق دفع المرتبات، ودفع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إلى اتخاذ قرار بنقل الإدارة المالية إلى عدن في سبتمبر 2016. وقد بررت الحكومة هذه الخطوة بأنها محاولة لإنقاذ النظام المالي، وتعهدت بصرف المرتبات بشرط التزام الحوثيين بتوريد الإيرادات العامة، وهو ما لم يحدث.
منذ ذلك الوقت، تبنّى الحوثيون سردية تُحمّل مسؤولية توقف الرواتب لقرار نقل البنك وشُح الموارد والحرب، إلا أن هذه المبررات، بحسب خبراء اقتصاديين، تدحضها الوقائع.
يقول الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي في مقابلة خاصة "رفض الحوثيين صرف الرواتب ليس نتيجة عجز مالي، بل هو جزء من سياسة ممنهجة. إنهم يستخدمون معاناة العاملين كورقة ضغط ووسيلة ابتزاز، بينما تُوجَّه الإيرادات لدعم المجهود الحربي وترسيخ سلطتهم، بدلًا من الوفاء بأبسط التزامات الدولة".
ما وراء مبررات الحوثيين
أولاً: نقل البنك المركزييحاول الحوثيون حصر السبب الأساسي لتوقف الرواتب في قرار نقل البنك من صنعاء إلى عدن، لكن البيانات المتاحة تكشف أن الأزمة كانت قد بدأت قبل ذلك.
وفقا لتقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة المعني باليمن لعام 2017، كان البنك قد وصل مرحلة العجز عن الوفاء بالتزاماته المالية، بما في ذلك صرف الرواتب، في يوليو/تموز 2016، أي قبل شهر ونصف من صدور قرار النقل. وبحسب ذات المصدر، تراجعت احتياطاته من النقد الأجنبي من 4.05 مليارات دولار في ديسمبر 2014، إلى 1.56 مليار دولار في ديسمبر 2015، وصولا إلى 700 مليون دولار، في سبتمبر 2016.
ويُرجع الفريق، هذا التآكل إلى سوء الإدارة وتوجيه الموارد نحو دعم المقاتلين الحوثيين وبعض قياداتهم وتمويل أنشطتهم العسكرية.
توضح هذه المعطيات أن استنزاف الحوثيين للموارد، تسبب في نشوء أزمة الرواتب، وأن نقل البنك كان نتيجة لا سبب لها.
ساعة النهوض حانت
الضربات الإسرائيلية لليمن: استهداف المقدرات لا القيادات!
سقطة سياسية
مشروع صالح الوطني
تساؤلات