آخر الأخبار


الاثنين 12 مايو 2025
لم يكن عمار الجلال قد أكمل الثانوية عندما اندلعت الحرب. ترعرع في خط المواجهة وأصيب.. سمعت باسمه من أخي محمد رحمه الله. سنة 2019 التقيت به لأول مرة، في البلاد. كان يحضر أعراس أصحابه وإخوة أصحابه من أبناء منطقتنا الذين تعرفوا عليه في المدينة، شخص قصير القامة يمشي مع مجموعة من المسلحين من أبناء منطقته، ورغم أنه أصيب في الجبهة إلا أنه لم يحصل على الرقم العسكري إلا بشق الأنفس: قصر قامته وملامح وجهه تبديه طفلاً: ومنظمات حقوق الإنسان تمنع تجنيد الأطفال!.
عند مناقشته، ستجد في رأسه عقلاً لا يتناسب أبداً مع بنيته الجسمانية وعمره التقريبي. هذا ما ظننته أول مرة.
سنة 2020غادرت البلاد التي سيطر عليها الحوثيون، كان عمار الجلال قد عاد إلى المدينة، كانت ما تسمى بحكومة الشباب والأطفال قد أصدرت بتعيين عمار الجلال مديراً لأمن محافظة تعز، كنت أصادفه أحياناً مع مجموعة من الجنود من أبناء منطقته، وأنصحه ضاحكاً ألا يعود إلى منطقته ـ التابعة لمديرية مذيخرة، وذلك لأنه يملك شيئين: رقم عسكري، ومدير بحكومة الأطفال.
كنت أحفزه ليدرس في الجامعة، وكان يفكر أي تخصص يختار، ولكن بعد فترة اشتدت الظروف القاسية ومرض والده، فغادر إلى قريته على أن يعود. لكنه لم يعد، اتصلت بعد وفاة والده واستفسرته عن ميعاد العودة، لكنه أخبرني أنه سيبقى في البلاد يعمل في أملاك الأسرة، وأكد بأن الحوثيين جاؤوا إليه بقيادة شخص يملك نفس اللقب: أبو عماد الجلال. وأقنعه بتعبئة استمارة عائد ـ والتي تعني طلب العفو من الحوثيين للمقاتلين في صفوف الشرعية. كان عمار فرحاً وهو يتفاخر بابن العم أبو عماد الجلال الذي ظهر فجأة.
لم أخض معه في الحديث مطولاً، أنا متوجس من إجراءات العفو، وأعتقد أنها رأس الخيط المؤدي إلى الفخ. من الصعب الوثوق بوعود الحوثي الممنوحة لشخص يملك رقماً عسكرياً، فضلاً على أن يكون هذا الشخص قد أصيب في جبهات القتال. عرفت فيما بعد أن عمار الجلال قد انضم إلى مجموعة من المسلحين تعرف بأنها من مجاهدين "الرزامي".
حلت الكارثة. العقل الكبير قابلاً للغسل، صار عمار الجلال تابعاً للحوثيين، وتفاجأت من أصدقائه من أبناء البلاد، أنه اقتنع بأنه حين كان مع الشرعية، كان في صف الباطل، وأنه هناك يواجه قوى الاستكبار العالمي.
لم يكتفِ عمار بالانخداع بنفسه، بل استدرج جنود منطقته الذين كانوا يقاتلون في صف الشرعية، أقنعهم بالعودة إلى البلاد، وأقنعهم بأن الحوثيين يقاتلون أمريكا. لم أصدق إلا عندما سمعت قائده يؤكد بأنه اتصل بعمار أكثر من مرة ليعود إلى الكتيبة، لكن عمار حاول إقناع القائد بالعودة إلى الحق ووعده بالعفو العام.
وهكذا مضى المناضل عمار في مرحلته الجديدة، يواجه قوى الاستكبار، أداة حوثية للعمل الأمني في منطقته، داعياً إلى العودة إلى الحق، متباهياً بعلاقته القوية بالسند وابن العم، رجل المواقف: "أبو عماد الجلال".
قلت لمجموعة من أبناء البلاد بينهم وبين عمار صداقة وزمالة أكثر مني، تواصلوا به، حاولوا ترجعوه، كي لا يلقى نفس مصير بعض من عادوا، كانت قد انتشرت الكثير من القصص في المواقع الإخبارية وتقارير المنظمات الحقوقية لجنود صدقوا كذبة العفو وعبوا استمارة عائد، لكنهم اختفوا في سجون الحوثي أو ماتوا من التعذيب.
بعد فترة لفت انتباهي كثرة حوادث القتل في مناطق سيطرة الحوثيين، في قضايا أمنية، قمت لأبحث في الموضوع، وأنا أتصفح الأخبار وجدت اسم عمار الجلال في خبر بموقع المصدر أونلاين، لم يكن ضحية بل في صفوف المتهمين.
كانت الخبر مفاجئاً، لأني وجدت الخبر بعد أسابيع من الحادثة، حاولت أتتبع خيوط الحادثة، بحسب رواية مدير أمن مذيخرة، الملقب بالمتوكل، فقد بدأت القصة بإصابة شخص يُدعى عبدالخالق الزمر، كان المتهم شخص يُدعى طلال الليث وهو من أبناء منطقة راوات، قامت مجموعة "الرزامي" بمحاصرته داخل المنزل بغرض القبض عليه، في ذلك الوقت جاء مدير أمن مذيخرة وأبعد "المجاهدين" من مجموعة الرزامي بعيداً عن المنطقة، وحاصر المنزل مع مسلحيه، وظل ينادي على طلال الليث لتسليم نفسه، واشتبكوا.. قال المتوكل بأن الليث قاوم السلطات وانفجرت قنبلة داخل المنزل ومات المتهم.
وثقت من الرواية حين اتصلت بعمار وعرفت بأنه حراً خارج التهمة، ومع ذلك حذرته: "..هذه بداية النهاية إذا ما تنقذ نفسك وتعود" العائدون الطرف الأسهل ليكونوا كباش فداء للمتوكل إن كانت القضية كما فهمت. قال عمار وقد صار رزامياً: إن القيادة ـ يقصد الحوثيين ـ واضحة في الموقف، وإن هناك مشكلة بين الأمن والبحث الجنائي، أو البحث الجنائي والنيابة، المهم أن المشكلة بين هذه الأجهزة في مذيخرة، وكأن هذه الجهات لا تتبع الحوثيين.
قبل أن أنهي المكالمة، لم يتردد بأن يعرض عليَّ التنسيق مع أبو عماد الجلال لأعبي استمارة عفو من أجل العودة إلى مناطق الحوثة، وأكد: بايحفظوا مكانتك وعملك.. ضحكت: على أساس إننا قائد الفيلق السادس.. استمارة العودة يزيدوا بها على المقاتلين المرقمين، فرد ضاحكاً: صح.. أنت يشتي لك استمارة توبة.
وكانت هذه آخر مكالمة بيننا، بعدها بقينا على تواصل نادر في فيسبوك، تعليق على صورة، أو تهنئة. قبل يومين صادفت منشوراً لأحد أصحاب عمار، يزعم فيه أن أبو عماد الجلال ـ الذي أوهم عمار أنهم أبناء عم من اللقب ـ باع عمار للأجهزة الحوثية في إب، وأنه مختفي منذ شهر تقريباً، ولم تتمكن أسرته من زيارته أو الاتصال به، ولا أحد يعرف مصيره حتى الآن.
لم أعرف بأي قضية بالضبط.. لكن المؤكد أن المليشيا تبتلع الموهومين، بلا شفقة، عند أول فرصة.
نقلا عن يمن شباب نت
لماذا سُمي يوم السبت؟
كيف تصير قاتلاً في 24 ثانية؟!
عمار الجلال.. نكبة عائد
فشل استراتيجي- أمريكا لم تحقق هدفها في اليمن!!!!!
تحذير قائم حتى إشعار آخر