آخر الأخبار


الخميس 8 مايو 2025
لو أن أهل الحل والعقد فى العالم استمعوا إلى صوت العقل الذى يمثله الرئيس عبدالفتاح السيسي، لأراحوا واستراحوا، ولنعم الشرق الأوسط بالأمن والسلام، وهو القائل إن مفتاح وقف إطلاق الصواريخ والمسيرات الحوثية على مدن إسرائيل، ومنع تهديد الملاحة فى البحر الأحمر، هو بإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، وإدخال المساعدات إلى أهل القطاع، بل إنه من أكد، غير مرة، أن السلام العادل والشامل لن يتحقق إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفقًا لمقررات الشرعية الدولية، وأن ذلك وحده، هو الضمان الحقيقى لإنهاء دوائر العنف والانتقام، والتوصل إلى السلام الدائم.. وضرب مثلًا، بالسلام بين مصر وإسرائيل، الذى تحقق بوساطة أمريكية، الذى يشهد التاريخ، بأنه نموذج يحتذى به، لإنهاء الصراعات والنزعات الانتقامية، وترسيخ السلام والاستقرار.. وأعلنها تكرارًا، «إن السلام العادل، هو الخيار الذى ينبغى أن يسعى إليه الجميع.. ونتطلع إلى قيام المجتمع الدولى، على رأسه الولايات المتحدة، والرئيس ترامب تحديدًا، بالدور المتوقع منه فى هذا الصدد».. وتدور الأيام دورتها، ليتأكد العالم، بأن ما تقوله مصر هو الصواب، لأنها تنطق به دون غرض أو طمعًا فى عرض.
وأمس، وبعد معارك ضارية، يعلن الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، أن الولايات المتحدة ستوقف قصف الحوثيين فى اليمن، قائلًا إن الجماعة المتحالفة مع إيران وافقت على التوقف عن تعطيل ممرات الشحن المهمة فى الشرق الأوسط.. وبعد أن أصدر ترامب إعلانه، قالت سلطنة عمان إنها توسطت فى اتفاق وقف إطلاق النار، ما يمثل تحولًا كبيرًا فى سياسة الحوثيين منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة فى أكتوبر 2023.. وبموجب الاتفاق، لن تستهدف الولايات المتحدة أو الحوثيين أى طرف آخر، بما فى ذلك السفن الأمريكية فى البحر الأحمر ومضيق باب المندب.. لم يذكر البيان الصادر من عُمان، ما إذا كان الحوثيون قد وافقوا على وقف الهجمات على إسرائيل.. إلا أن رئيس المجلس السياسى الأعلى للحوثيين فى اليمن، مهدى المشاط، قال إن الجماعة ستواصل دعم غزة، وإن مثل هذه الهجمات ستستمر.. ونقلت قناة «المسيرة» التابعة للحوثيين عنه، «إلى كل الصهاينة من الآن فصاعدًا، ابقوا فى الملاجئ أو غادروا إلى بلدانكم فورًا.. فلن تستطيع حكومتكم الفاشلة حمايتكم بعد اليوم».. وقال رئيس اللجنة الثورية العليا للحوثيين فى اليمن، محمد على الحوثى، إن وقف الولايات المتحدة «للعدوان» على اليمن سيتم تقييمه.
Nigeria the most popular African football team from 90s
00:00
Pause
00:06 / 01:20
Mute
Settings
Fullscreen
Copy video url
Play / Pause
Mute / Unmute
Report a problem
Language
Share
Vidverto Player
قال ترامب عن الحوثيين، خلال اجتماع فى المكتب البيضاوى مع رئيس الوزراء الكندى، مارك كارنى، «قالوا لى: من فضلكم، توقفوا عن قصفنا، ولن نهاجم سفنكم.. وسأقبل بوعدهم، وسنوقف قصف الحوثيين فورًا»، ولم يذكر ترامب، ما إذا كانت بريطانيا وافقت أيضًا على وقف إطلاق النار.. وقد لاقى الاتفاق الحوثى الأمريكى ترحيبًا من دول عربية فى الخليج، أعربت عن أملهما فى أن تضمن هذه الخطوة حرية الملاحة فى البحر الأحمر، بعد شهور، أطلق فيها الحوثى النار على إسرائيل وعلى الشحن فى البحر الأحمر، منذ أن بدأت إسرائيل هجومها العسكرى ضد حماس فى غزة، بعد الهجوم الذى شنته الجماعة الفلسطينية المسلحة على إسرائيل فى السابع من أكتوبر 2023.. وقال الجيش الأمريكى، إنه ضرب أكثر من ألف هدف منذ بدء عمليته الحالية فى اليمن، المعروفة باسم عملية «راف رايدر»، فى الخامس عشر من مارس الماضى، أسفرت عن مقتل «مئات المقاتلين الحوثيين وعدد كبير من قادة الحوثيين»، كما يؤكد الجيش الأمريكى.
ومن نافلة القول هنا، إن إسرائيل مصدومة من إعلان ترامب وقف قصف اليمن، كما قالت «القناة 12» العبرية، التى ذكرت أن «ترامب يعلن وقف ضرباته» على اليمن، ولم يقل إنه مستمر بحماية إسرائيل من ضرباتهم.. وأكدت أن المستوى السياسى فى إسرائيل تفاجأ بكلام ترامب، سواء فيما يتعلق باليمن، أو فيما يتعلق بـ«المفاجأة الكبرى التى سيعلنها قبل زيارته للشرق الأوسط الأسبوع المقبل»، والتى قال عنها ترامب، «لن أكشف عنها وهى إيجابية للغاية».. وأشارت إلى أن المستوى السياسى فى حيرة من أمره الآن، ويحاول فهم ما يعنيه الرئيس الأمريكى، خصوصًا أن أمريكا لم تُخطر إسرائيل مسبقًا بإعلان الهدنة مع أنصار الله فى اليمن، «تل أبيب لم تكن على علم بقرار ترامب بشأن الحوثى.. الرئيس الأمريكى فاجأهم».. وقالت صحيفة «يسرائيل هيوم»، إنه من المتوقع أن يصدر البيت الأبيض توضيحًا خلال الساعات المقبلة، بشأن وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، ولا يزال من غير الواضح، ما إذا كانت إسرائيل مشمولة بالاتفاق الذى أعلنه ترامب، من أن واشنطن ستوقف الضربات على اليمن، «لقد استسلموا للولايات المتحدة، ويقولون إنهم لن يهاجموا السفن.. الحوثيون قالوا البارحة إنهم لم يعودوا يريدون القتال وهذه أخبار جيدة، سنتوقف فورًا عن الضربات الجوية فى اليمن، أقبل كلمة الحوثيين بأنهم سيوقفون هجماتهم، وقررنا وقف قصفنا بشكل فورى».
●●●
فى عهد إدارة الرئيس الأمريكى السابق، جو بايدن، بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا، فى الثانى عشر من يناير 2024، شن ضربات جوية ضد أهداف الحوثيين، فيما عُرف وقتها بعملية «حارس الازدهار»، فى محاولة لإبقاء طريق التجارة الحيوى فى البحر الأحمر مفتوحًا، وهو الطريق الذى يمر عبره نحو 15% من حركة الشحن العالمية.. وبعد تولى ترامب رئاسة الولايات المتحدة فى يناير الماضى، قرر تكثيف الغارات الجوية ضد الحوثيين بشكل ملحوظ.. وجاءت هذه الحملة، بعد أن أعلن الحوثيون عن استئناف هجماتهم على السفن الإسرائيلية المارة عبر البحر الأحمر وبحر العرب ومضيق باب المندب وخليج عدن.. وفى الثامن والعشرين من أبريل، ضربت غارة جوية أمريكية مُشتبه بها، مركزًا للمهاجرين فى اليمن، وقالت قناة الحوثى التليفزيونية، إن ثمانية وستين شخصًا قتلوا فى واحدة من أعنف الهجمات، خلال ستة أسابيع من الضربات الأمريكية المكثفة.
بدأ الرئيس ترامب ولايته الثانية فى البيت الأبيض، واعدًا بفك ارتباط الجيش الأمريكى بحروبه الباهظة والممتدة فى الشرق الأوسط.. إلا أنه وبعد ثلاثة أشهر، ينخرط فى نفس النوع من الحملات العسكرية المفتوحة التى أزعجت أسلافه، والتى تحمل فى طياتها احتمال اندلاع حرب أوسع نطاقًا مع إيران.. وفى مهمة مثيرة للجدل لوقف هجمات الحوثيين من اليمن على السفن التجارية فى البحر الأحمر، يحشد الجيش قوة نيران فى المنطقة.
تفاصيل حساسة كشف عنها وزير الدفاع، بيت هيجسيث، فى محادثة ثانية غير محمية عبر «سيجنال»، وهو أى ى هيجسيث الذى شرف على عملية استعادة حركة المرور المنتظمة عبر الممر البحرى، الذى يربط المحيط الهندى بالبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، وقد دفعت إدارة ترامب إلى دوامة باهظة، قد تتصاعد، ويصعب معها إخراج القوات الأمريكية يومًا بعد يوم.. مجموعتان ضاربتان لحاملة طائرات، تبلغ تكلفة تشغيل كل منهما حوالى 6.5 مليون دولار يوميًا، متمركزتان الآن قبالة ساحل اليمن.. نفذت قاذفات بى-2 التى تتجنب الرادار، والتى صُممت لشن هجمات خاطفة على الاتحاد السوفيتى، وتكلف حوالى تسعين ألف دولار لكل ساعة طيران فى غارات جوية.. فى الشهر الأول من العملية، أسقطت هذه القاذفات، إلى جانب عشرات الطائرات المقاتلة والطائرات دون طيار، ذخائر تزيد قيمتها على 250 مليون دولار.. تطلق البحرية صواريخ اعتراضية مضادة للصواريخ، التى يمكن أن تكلف حوالى مليونى دولار، لتدمير طائرات الحوثى دون طيار والصواريخ، التى يمكن أن تكلف بضعة آلاف من الدولارات لكل منها.. وبلغت تكلفة العملية العسكرية فى اليمن، أفقر دولة فى الشرق الأوسط، مليارى دولار فى مايو، وفقًا لمساعدى الكونجرس.
وقعت إحدى أعنف هجمات الحملة الأسبوع الماضى، عندما قصفت الولايات المتحدة محطة نفطية، وأسفرت عن مقتل أربعة وسبعبن شخصًا على الأقل، وفقًا للحوثيين.. فى اليوم التالى، أسقط الحوثيون طائرة مسيرة من طراز MQ-9 Reaper بقيمة ثلاثين مليون دولار، لنضم إلى العديد منها، تم إسقاطها منذ بدء المهمة فى مارس.. أظهرت الغارات الجوية، التى تُسمى عملية «الراكب الخشن»، أن الولايات المتحدة لم تُرسخ بعد سيطرتها الجوية على اليمن، على الرغم من مئات الغارات الجوية التى تُعرّض الطيارين للخطر أثناء شنّهم هجمات روتينية ضد قوات ميليشيا الحوثى.
دافعت البحرية الأمريكية عن سفنها التجارية ضد مئات الطائرات المسيرة والصواريخ الحوثية، منذ أن بدأت الجماعة المدعومة من إيران هجماتها البحرية فى نوفمبر 2023 تضامنًا مع الفلسطينيين فى غزة.. أغرق الحوثيون سفينتين تجاريتين أجنبيتين العام الماضى، ما أسفر عن مقتل أربعة بحارة على الأقل، وأدت الهجمات إلى ارتفاع تكاليف النقل، حيث اختارت أكبر شركات الشحن فى العالم إعادة توجيه رحلاتها حول الطرف الجنوبى لإفريقيا، عبر طريق رأس الرجاء الصالح.. ومع ذلك، لا يمر عبر البحر الأحمر سوى حوالى 12% من التجارة العالمية سنويًا، ونسبة أقل من التجارة الأمريكية.. فهل يستدعى هذا إنفاق مليارات الدولارات، والمخاطرة بالتأهب العسكرى فى مناطق أخرى، وتعريض حياة أفراد الخدمة الأمريكية للخطر؟
رأى الخبراء أنه فى حين حققت القوات والأسلحة الوافدة حديثًا انتصارات تكتيكية فى اليمن، فإن استعادة النشاط البحرى الروتينى فى البحر الأحمر ستكون شبه مستحيلة، دون إبعاد الحوثيين عن السلطة على طول الساحل الغربى للبلاد.. فالحوثيون، فى نهاية المطاف، يتعرضون للقصف منذ أكثر من عقد.. وتناوبت المملكة العربية السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة فى عهد ثلاثة رؤساء أمريكيين على قصف الميليشيات جوًا.. وشن السعوديون ما يُقدر بخمسة وعشرين ألف غارة جوية على الحوثيين على مدى سبع سنوات، كجزء من حملة أسفرت عن مقتل ما يُقدر بـ377 ألف شخص فى اليمن.. إلا أن سيطرة الحوثيين على الساحل أثبتت صمودها، ويعود الفضل فى ذلك إلى حد كبير، إلى استمرار الدعم المالى وشحنات الأسلحة من طهران.
ترامب، كغيره من الرؤساء طوال الحرب العالمية على الإرهاب، مخطئ فى افتراضه، أن التفوق العسكرى الساحق سيُفضى إلى نهاية سريعة وحاسمة.. ونظرًا لعجزه عن دحر الحوثيين بالقوة الجوية وحدها، سيواجه قريبًا نفس القرار الخاسر الذى أربك أسلافه فى الشرق الأوسط: التراجع أو التصعيد.. وقد أفادت التقارير بأن القوات اليمنية، التى تسعى لاغتنام فرصة الغارات الجوية الأمريكية، تخطط لغزو برى ضد الحوثيين.. ودرست الإدارة الأمريكية دعم الميليشيات، التى تدعمها الإمارات العربية المتحدة بالفعل، وهى خطوة من شأنها أن تتفاقم على الأرجح، وتتحول إلى صراع واسع ومطول كالذى كرر ترامب أنه يسعى لتجنبه.. وصرح برايان هيوز، المتحدث باسم مجلس الأمن القومى، فى بيان مكتوب، بأن الإدارة «لن تُطلع على أى خطط أو تكتيكات تتعلق بكيفية دفاعنا عن المصالح الأمريكية فى البحر الأحمر من الإرهابيين الحوثيين».. وأضاف أن الأمن فى البحر الأحمر مسئولية «شركائنا فى المنطقة، ونحن نعمل معهم عن كثب» لضمان حرية الملاحة.
سعى ترامب أيضًا إلى توجيه رسالة إلى إيران: كبح جماح الحوثيين وبرنامجكم النووى المتوسع، وإلا.. تمنحه المحادثات النووية بين واشنطن وطهران، التى تمت فى عُمان، أفضل فرصة لتحقيق كلا الهدفين. كما أن لديه فرصة لإحداث نقلة نوعية فى العلاقات العامة، والحصول على صفقة أفضل مما فعل الرئيس الأسبق باراك أوباما، من خلال تضمين تصرفات وكلاء إيران مثل الحوثيين وحزب الله وحماس التى فشل أوباما فى معالجتها فى اتفاقه النووى التاريخى لعام 2015 مع إيران.. لكن ترامب رفض، حتى الآن استبعاد إمكانية توجيه ضربة عسكرية للبنية التحتية النووية الإيرانية، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.. وقد أصبح التهديد الآن أكثر خطورة مع تزايد وجود القوات والمعدات فى المنطقة.
أصرت واشنطن على أن المهمة ضد الحوثيين «تضع المصالح الأمريكية فى المقام الأول».. كشفت سجلات دردشة «سيجنال» التى نشرتها مجلة «ذا أتلانتيك» الشهر الماضى، عن شكوك نائب الرئيس، جيه دى فانس، بشأن العملية.. كتب فى الرابع عشر من مارس، أى قبل يوم من بدء الضربات: «أعتقد أننا نرتكب خطأً».. انتقد مسئولون كبار آخرون المهمة علنًا عندما وجّه الرئيس جو بايدن، بدلًا من رئيسهم، عددًا أقل من الضربات فى اليمن.. صرّح مايكل والتز، مستشار الأمن القومى السابق لترامب، لصحيفة «بوليتيكو» فى أغسطس الماضى، «نحن ننفق عشرات المليارات من الدولارات، على ما يُعادل فى الواقع مجموعة من الإرهابيين الذين يعملون بالوكالة عن إيران».. وأعرب إلبريدج كولبى، وكيل وزارة الدفاع لشئون السياسات، عن رأى مماثل قبل بضعة أشهر.. وكتب فى منشور على موقع X فى يناير 2024، «إنها علامة حقيقية على مدى انحراف سياستنا الخارجية عن مسارها الصحيح، أن نشن الآن هجمات عسكرية مستمرة فى اليمن اليمن! دون أى أمل حقيقى فى فعاليتها».
ولطالما دافع كولبى، كغيره من أعضاء الإدارة فى البيت الأبيض، عن تحويل الولايات المتحدة اهتمامها عن الشرق الأوسط وإعادة التركيز على الصين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ.. ولعلّ المفارقة لم تغب عنه إذًا، إذ إن جزءًا كبيرًا من الترسانة المتراكمة حول اليمن سُحب من آسيا، حيث وسّعت الولايات المتحدة فى السنوات الأخيرة قواعدها العسكرية ونقلت أسلحةً، تحسبًا لصراع محتمل مع بكين.. هذا الشهر، قال الأدميرال البحرى، صموئيل بابارو، المشرف على القيادة الأمريكية فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، أمام الكونجرس، بأن كتيبة كاملة من نظام الدفاع الصاروخى باتريوت التابع للجيش الأمريكى، نُقلت مؤخرًا من اليابان وكوريا الجنوبية إلى الشرق الأوسط.. إن ذلك استلزم ثلاثًا وسبعبن رحلة شحن جوية.
هنا، مرة أخرى، تتعارض مهمة اليمن مع الأهداف المعلنة للإدارة فى واشنطن.. صرّح هيجسيث لحلفائه الآسيويين، بأن الولايات المتحدة ستركز على كفاحهم ضد العدوان الصينى.. وقال فى مؤتمر صحفى عُقد فى مانيلا فى الثامن والعشرين من مارس، «ما ستفعله إدارة ترامب هو تحقيق أهدافها، أى إعطاء الأولوية الحقيقية والتوجه نحو هذه المنطقة من العالم بطريقة غير مسبوقة».. فترامب، هو أحدث قائد عام يصل إلى البيت الأبيض، واضعًا نصب عينيه الصين، لكنه يُغيّر مساره.. سيظل النجاح الاستراتيجى طويل الأمد فى الشرق الأوسط بعيد المنال، إذا لم يقترن بجهود دبلوماسية وسياسية مكثفة.. إذا تعلمنا شيئًا خلال ربع قرن منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر، فهو أن الرئيس لا يستطيع التخلص من مشكلة ما بالقصف.. وهو ما عاد ترامب إلى الإيمان به، وجنح إلى السلم مع الحوثيين فى اليمن، سبيلًا لتحقيق أهداف مجموعته الضاربة MAGA، بأن «أمريكا أولًا»!
●●●
وفقًا للبيان العمانى، فإن الاتفاق بين الولايات المتحدة عن وقف ضرباتها ضد جماعة أنصار الله «الحوثيين» فى اليمن، يضمن سلامة السفن الأمريكية وليس كل السفن من ضربات الحوثيين، كما أنه لا ينص على وقف ضرب إسرائيل من الأراضى اليمنية.. ولعل هذا ما دفع إسرائيل لإبداء استغرابها من الإعلان الأمريكى، بل إن هيئة البث الإسرائيلية نقلت عن مسئولين إسرائيليين، أنهم «فوجئوا بإعلان ترامب».. كما نقل موقع أكسيوس عن مسئول إسرائيلى كبير، أن واشنطن «لم تخطر تل أبيب بهذه الخطوة».. وبغض النظر عن تفاصيل الاتفاق، فإنه يكشف عن اتساع الفجوة بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، ويظهر تحوّلا نسبيا فى الموقف الأمريكى من النزاع بين إسرائيل والحوثيين.. كما يؤكد الاتفاق، أن ترامب ليس خاضعًا لنتنياهو كما كان الرئيس السابق جو بايدن، وأنه يضع الحسابات الأمريكية الداخلية نصب عينيه وهو يتعامل مع ملفات المنطقة.. والسبب فى ذلك، أن ترامب مدعوم بقوة من تيار MAGA، الذى يتبنى العزلة التامة فى السياسة الخارجية، والخروج من النزاعات فى الشرق الأوسط لتقليل الكُلفة الاقتصادية.. لذلك، فإن هذا الاتفاق يُظهر، أن ترامب لا يتجاهل الحسابات الداخلية وهو يتعامل مع نتنياهو، الذى يحاول بوضوح توريط الولايات المتحدة فى حرب مع إيران، خصوصًا وأنه تزامن مع تصعيد إسرائيلى كبير ضد اليمن، ضربت الطائرات الإسرائيلية خلاله ميناء الحديدة ومطار صنعاء.
الأهم من ذلك، أن الاتفاق الأخير يُظهر التباين الكبير فى الموقف من إيران، التى يريد ترامب منعها من امتلاك سلاح نووى فقط، فى حين يريد نتنياهو ضربها وإسقاط نظامها السياسى بالكامل.. لذلك، فإن نتنياهو يقف بين خيارين بعد هذا الاتفاق المفاجئ، وهما: أن يتماهى مع سياسة ترامب، أو الدخول فى صدام معه، وهو أمر يتضح فى تعامله مع غزة الذى لا يسير على هوى الرئيس الأمريكى.. والأخطر، أن هذا الاتفاق قد يكون مقدمة لاتفاق نووى مع طهران، لا يلبى السقف الأمنى لتل أبيب، المتمثل فى تدمير برنامج طهران النووى، ودون ترتيب معها، لأن هذا سيكون بمثابة سابع من أكتوبر جديد بالنسبة لنتنياهو، وسيعجل بانهياره السياسى.. كما يشى الاتفاق مع الحوثيين، بإمكانية تحول الموقف الأمريكى من ملفات أخرى فى المنطقة مثل سوريا، واتخاذ قرارات بشأنها دون مشاورة تل أبيب.. وهو يكشف أيضًا التباين بين نتنياهو، الذى يعتبر الحسم العسكرى هدفًا، وترامب الذى يعتبره وسيلة لإبرام اتفاقات.
بعد هذا الاتفاق، ستتقلص قدرة إسرائيل على التحرك فى الإقليم، لأن الولايات المتحدة لا تمنعها من فعل ما تريد فى فلسطين، لكنها لن تسمح لها بفعل ما تريد فى إيران مثلًا.. ستكون إسرائيل وحيدة لأول مرة فى مواجهة الحوثيين، الذين تعجز عن صد صواريخهم وتواجه مشكلة استخبارية معهم، كما أنها ستكون مضطرة لضربهم كلما أطلقوا صاروخًا أو مسيرة عليها، تفعيلًا لعقيدتها الأمنية، وهو أمر كانت تقوم به أمريكا قبل هذا الاتفاق.
●●●
■■ وبعد..
فإن الخلاصة المهمة، التى يجب الوقوف أمامها.. أن الاتفاق لا يمثل انتصارًا لترامب، الذى لم ينجح فى إعادة الملاحة بشكل عام، وإنما الملاحة الأمريكية فقط، ولا للحوثيين الذين قدموا تنازلًا، باستثنائهم سفن واشنطن من أى هجمات بما فيها المتجهة لإسرائيل أو القادمة منها.. كما أن الاتفاق يعنى فراقًا بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لأن المصلحة الأمنية الإسرائيلية «لا تزال تمثل أولوية أمريكية»، لكنه «يعكس طريقة مختلفة فى التعامل مع نتنياهو، المُطالب بالتعامل مع ترامب كما يتعامل موظف مع رئيسه».. لكن كلا الطرفين واشنطن والحوثى حقق أهدافًا من هذا الاتفاق.. خرجت الولايات المتحدة من مأزق الضربات العسكرية التى لم تحقق ما أعلنه ترامب فى السابق.. وتخلص الحوثيون أيضًا من هذه الضربات التى أضرت بهم كثيرًا، واحتفطوا بحقهم فى توجيه ضربات لإسرائيل، مع ضمان عدم رد الولايات المتحدة على هذه الضربات.. لذلك، فإن إسرائيل ستواجه أزمة فى التعامل مع الحوثيين بعد هذا الاتفاق، لأنهم لن يوقفوا هجماتهم على الأرجح، حتى يحافظوا على مصداقية انحيازهم لفلسطين، ولأن الولايات المتحدة لن تتدخل مجددًا لردعهم، وقد تسحب حاملة طائراتها من المنطقة.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.
عن "الدستور" المصرية
اليمن يدفع الثمن في لعبة الكبار
هل تستعصي ادوات ايران
لحم اليمن الحي
مسرح العبث
قصة النملة التي اريشت