الاثنين 26 مايو 2025
مستحيلات يمنيّة… بعد ربع قرن على الوحدة
الساعة 11:46 مساءً
خير الله خير الله خير الله خير الله

بقي من اليمن، بعد ربع قرن على إعلان الوحدة في 22 أيار – مايو 1990، بلد متشظّ يبحث عن مكان له في المعادلة الإقليمية الجديدة في المنطقة. تشمل هذه المعادلة الجديدة، في طبيعة الحال، شبه الجزيرة العربيّة كلّها ومستقبل دولها. يعود ذلك إلى أنّه بات لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانيّة موطئ قدم في شمال اليمن، على غرار موطئ القدم الذي كان للاتحاد السوفياتي في الجنوب اليمني بين مطلع سبعينات القرن الماضي حتى السنة 1990.

يستحيل، في المدى الطويل، تعايش دول المنطقة، أي الأعضاء الستة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع الوجود العسكري والسياسي لإيران في شبه الجزيرة العربيّة. لا هدف لهذا الوجود الإيراني غير ابتزاز دول المنطقة عبر الحوثيين لا أكثر.

كانت الوحدة بمثابة خشبة الخلاص لليمن في مرحلة كان فيها الجنوب، بنظامه الماركسي، في وضع لا يحسد عليه في ضوء “أحداث 13 يناير 1986” التي أسفرت عن انهيار الدولة وانقسام في المجتمع والجيش وبين المناطق. أدت تلك الأحداث، التي كانت بين الإشارات الأولى لانهيار الاتحاد السوفياتي، إلى خروج علي ناصر محمّد الذي ينتمي إلى محافظة أبين من السلطة. في الواقع خرجت كلّ أبين من السلطة، كذلك شبوة وجزء من عدن.

ليس انهيار الاتحاد السوفياتي الذي يرمز إليه سقوط جدار برلين، في خريف العام 1989، وحده الذي سهل الوحدة اليمنية. يوجد عامل آخر هو العامل العراقي. دعم صدام حسين الوحدة نكاية بدول أخرى في المنطقة بعدما بدأت تظهر توترات بينه وبين هذه الدول الخليجية. بلغت هذه التوترات ذروتها عندما احتل الكويت صيف العام 1990 كاشفا تمتعه بغباء سياسي لا حدود له!

أعادت الوحدة اليمنية الاعتبار إلى اليمن. أنقذت الوحدة الجنوب من التفتت ومن مزيد من الحروب الداخليّة. هرب أهل النظام إلى الوحدة، على الرغم من التسرع الذي شاب الوصول إليها. قاد عملية التسرّع هذه علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي الذي كان يحكم الجنوب. أدرك البيض باكرا أن لا بديل من الوحدة بعدما استوعب معنى فشل الاتحاد السوفياتي في استيعاب الأزمة الداخلية التي تفجرت بشكل حرب أهلية في بداية العام 1986.

عرف علي عبدالله صالح كيف يستفيد إلى أبعد حدود من انهيار النظام في الجنوب، وهو انهيار توضحت معالمه في العام 1986. لم يتدخل مع طرف ضدّ آخر، على الرغم من استضافته علي ناصر محمّد في صنعاء. انتظر اليوم الذي لن يجد فيه النظام في “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” غير خيار الوحدة. هذا ما حصل بالفعل بدءا من نهاية العام 1989.

قامت الوحدة اليمنيّة في ضوء التقاء المصالح بين نظامين لم يكن هناك ما يجمع بينهما. كان لكلّ من النظامين أجندة خاصة به. كانت “الجمهورية العربيّة اليمنية”، ممثلة بعلي عبدالله صالح، تريد استيعاب الجنوب. أمّا الجنوب ممثلا بعلي سالم البيض فكان يسعى إلى إنقاذ أهل النظام أوّلا وإيجاد صيغة للمشاركة في السلطة ثانيا وأخيرا. كان هناك في كلّ وقت طرف ثالث يمتلك أجندة خاصة به. كان هذا الطرف الثالث تنظيم الإخوان المسلمين الذي أعدّ نفسه، عبر حزب التجمع اليمني للإصلاح وتحت عباءة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، أقوى الزعماء القبليين في الشمال، لذلك اليوم الذي سيفترق به علي عبدالله صالح عن علي سالم البيض الذي وقع معه اتفاق الوحدة في عدن.

دفع اليمن غاليا ثمن الصدام بين الحسابات الداخلية اليمنية. دفع البلد، ومعه الوحدة، ثمن الطلاق بين علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض. أدى ذلك إلى حرب صيف 1994، التي نقلت الوحدة إلى مكان آخر، في ضوء خسارة الجنوبيين تلك الحرب. بعد حرب 1994 وسقوط عدن في يد قوات الجيش اليمني التابع لعلي عبدالله صالح، الذي حظي بدعم ميليشيات إسلامية تابعة لحزب الإصلاح، بدأ صدام بين حسابات من نوع آخر مع رغبة الإخوان المسلمين في الاستيلاء على السلطة.

بين 1994 و2010 شهد اليمن صراعا مكشوفا بين علي عبدالله صالح والإخوان المسلمين على خلفية صعود دور الحوثيين الذين دعمهم علي عبدالله صالح في البداية. ما لبث الرئيس الراحل أن خاض بين 2004 و2010 ست حروب مع الحوثيين بعدما أدرك أنّ “الحرس الثوري” خطفهم منه بمساعدة من “حزب الله” الذي بات له وجود قويّ في اليمن.

عرفت “الجمهوريّة الإسلاميّة” لعب أوراقها في اليمن. خرجت منتصرة من الصراع بين علي عبدالله صالح والإخوان المسلمين. سقطت عمليا الوحدة اليمنية، التي من دونها لم يكن ممكنا ترسيم الحدود بين اليمن وسلطنة عُمان وبين اليمن والمملكة العربيّة السعوديّة.

ماذا عن الوضع اليمني بعد ربع قرن من إعلان الوحدة؟ كلّ ما يمكن قوله، أوّلا، أنّ لن تكون ممكنة عودة اليمن إلى دولة تحكمها سلطة مركزية من صنعاء. لا مفرّ من صيغة جديدة لليمن في ظلّ نوع من أشكال الوحدة. الصيغة السابقة، صيغة ما قبل العام 2010 سقطت نهائيا. سقطت، ثانيا، صيغة العودة إلى دولتين مستقلتين كما كانت عليه الحال قبل الوحدة.

يتمثل المستحيل الثالث في بقاء الكيان الإيراني في شمال اليمن. لن يبقى هذا الكيان، على الرغم من أن الحوثيين جزء لا يتجزّأ من المكون اليمني. تظلّ المشكلة الأساسية التي ستواجه إيران في اليمن غياب أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو تربوي يخص المنطقة التي تحت سيطرتها. لا مشروع إيرانيا آخر في اليمن غير نشر البؤس وممارسة لعبة الابتزاز للدول العربيّة في المنطقة والمزايدة في كلّ ما له علاقة بفلسطين وغزّة كما هو حاصل حاليا.

ثمة واقع يمني جديد ولد من رحم الوحدة، واقع لا يمكن الهرب منه. لن تستطيع إيران بدورها الهرب من هذا الواقع.



عن صحيفة "العرب"


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار