آخر الأخبار


الأحد 18 مايو 2025
طبعا لم تكن زيارة الرئيس اليمني الدكتور رشاد العليمي إلى بغداد مجرد حضور بروتوكولي في قمة عربية جديدة.
بل لقد كانت إعلانا رمزيا عميقا بأن الدولة اليمنية، رغم كل الجراح، ما تزال تقبض على زمام قرارها العربي، وتحسن اختيار توقيت رسائلها السياسية، حتى في أحلك اللحظات.
والشاهد أن يذهب رأس الدولة اليمنية إلى بغداد، عاصمة معقدة لا تخلو من النفوذ الإيراني، ويصعد إلى منبرها ليعلن بوضوح موقف اليمن الرافض للميليشيات، العابثين، والانقلابيين ومن يقف خلفهم، فهو موقف لا يفتقر إلى الشجاعة فحسب، بل إلى إدراك استراتيجي يتجاوز اللحظة السياسية إلى المعركة الأعمق: معركة استرداد السردية العربية من براثن التغريب الطائفي.
والحق يقال إن قرار المشاركة بتمثيل رفيع المستوى لم يكن سهلاً. بل لم تكن المغامرة في الجغرافيا، بل في الرمزية. فبغداد، رغم عمقها العربي، ظلت لعقدين مرتهنة بنسبة كبيرة لإرادة غير عربية، لإملاءات دولة تُجيد الاستثمار في الفراغات الطائفية والخيبات العربية.
ولقد كان يمكن الاكتفاء بتمثيل منخفض، لكن الرسائل لا تصل همساً حين تكون الأوطان في خطر. الرسائل تصل حين يُقرع جرس العروبة من داخل المدن التي يُراد لها أن تنسى عروبتها.
على إن خطاب الرئيس العليمي لم يكن دبلوماسياً عادياً.
بمعنى أدق لم يختبئ خلف العبارات الناعمة، بل صاغ حضور اليمن كقضية، لا كضيف.
تحدث باسم اليمنيين جميعاً، ورفض أن يُختصر اليمن في عصابة جاثمة على صدور الناس، تعيث فساداً تحت شعارات مستوردة لا تمُتُّ للهوية اليمنية بأي صلة.
ولقد قالها اليمن في بغداد: "لا لحكم الميليشيات، لا لتمزيق الجغرافيا العربية، لا لعبث إيران". ومن هناك أيضاً، من قلب عاصمة الرشيد، مد اليمن يده مجدداً للعرب، مشيداً بمواقف مصر والسعودية والإمارات، ومهنئاً سوريا بعودتها، دون أن يقع في فخ الابتذال السياسي أو المزايدات الباهتة.
صدق لم تكن زيارة الرئيس مجرد رد على إيران، بل كانت تذكيراً بأن اليمن، رغم تمزقه الظاهري، لا يزال يحتفظ بعقله العربي، بقلبه العربي، وبمصيره العربي. وأن صنعاء ليست مجرد ورقة تفاوضية في ملف إقليمي، بل عاصمة جمهورية ضاربة الجذور، لا تسقط بشرعية ميليشيا، ولا ترتضي أن يُدار مستقبلها من كهوف أو غرف مظلمة.
صحيح أن الزيارة محفوفة بالمخاطر، وأن هناك من أشار إلى أخطاء بروتوكولية في الاستقبال، لكن تلك السطحيات لا تفسد المعنى الجوهري: رئيس دولة ذهب بنفسه ليُعلن أن اليمن ما يزال واقفاً، وأنه لم يسقط ولن يسقط، لا في السياسة، ولا في الجغرافيا.
والآن، وقد وصلت الرسالة، لم يبقَ أمام قيادة الدولة إلا أن تترجم هذا الحضور الرمزي إلى فعل ملموس على الأرض. فالمعركة الحقيقية ليست فقط في المؤتمرات، بل في حياة الناس.
تحرير صنعاء وصعدة لم يعد مطلباً عسكرياً فحسب، بل أخلاقياً ووجودياً، لكل من يحلم بيمن حر لا يُدار من الخارج.
وإذا كانت بغداد قد أنصتت، فلتكن عدن وتعز وحضرموت وسائر الأرض اليمنية على موعد مع ترجمة هذه الشجاعة.
آن أوان الدولة أن تعود فعلاً، لا شكلاً، وأن تملأ الفراغ الذي لطالما سمح للخراب أن يتوسع.!
بين بغداد وصنعاء.. شجاعة الدولة في وجه السرديات المريضة
من الرابح ؟
الرئيس اليمني في بغداد.. الرسالة وصلت
تغطية الفشل ببروباغندا إعلامية
جريمة على مرأى ومسمع العالم