آخر الأخبار


الجمعة 16 مايو 2025
قبل أيام كنت أجلس لوحدي، تمر في ذهني أشرطة الذكريات، وفجأة تذكرت بعض القصص الغريبة العجيبة التي شهدتها أثناء عملي بالتدريس في منطقة أكمة العقاب بريف إب وضحكت.
ضحكت بشكل هستيري لا أتذكر أنني ضحكت مثله، ثم كتمت ضحكي حتى لا تأتي الزوجة والأولاد ويسألوني:
_ لماذا تضحك؟
وحين أقول لهم الحقيقة لن يتركوني حتى أقص عليهم القصة وأنا يعجبني الكتابة وليس الحديث.
ستقولون:
_ طيب ما هي القصة ؟
لا تستعجلوا سأحدثكم بإحدى هذه القصص..
من القصص العجيبة المضحكة أنني ما إن وصلت منطقة أكمة العقاب حتى بدأت أسمع باسم " حمود النامس" على كل لسان، الكل يشكو منه ويدعو عليه، هذا تسلل إلى مزرعة قاته وقطف عشرات الحزم من القات في الظلام دون أن يشعر به، وذاك يؤكد أنه قد اختبأ بين الأشجار أثناء مروره بأغنامه وسرق خروفا منها دون أن يحس، وآخر يحلف الأيمان المغلظة أنه تسلل إلى مطبخهم وسرق قدر العشاء بما فيه من لحم ومرق من فوق النار دون أن ينتبهوا له.!
قصص عجيبة كنت أسمعها واستغرب من القدرات العجيبة لهذا اللص المحترف.!
كنا في مقيل الشيخ فجاء أحدهم يشكو من حمود النامس قائلا:
_ هذا خامس خروف يسرقه علي يا شيخ خلال ثلاثة أشهر.!
قال أحدهم وهو يضحك:
_ لو قلت لكم عن اللي عمله معنا أمس لن تصدقوني.
صمت الجميع واتجهت إليه الأنظار فقال:
_ كنت أمس أنا وحسن ابني نحرس القات فذهب إلى بيتنا، وقف بالباب وقلد صوت ابني:
_ قال لكم أبي تذبحوا الديك الكبير وتعملو عشاء وبجي له بعد ساعة.
ذبحوا الديك وعملوا العشاء وجاء أخذه من الباب وراح.!
بعد ساعة أرسلت الولد يجيب العشاء قالوا له:
_ أنت مجنون؟! أنت أخذت العشاء قبل ساعة؟!
وعرفنا إنه حمود النامس. الله لا صبحه ولا ربحه.!
وضج المجلس بالضحك.
أرسل الشيخ مجموعة من المسلحين يأتوا بحمود النامس حيا أو ميتا لكنهم لم يعثروا له على أثر.!
وكلما أرسل الشيخ بمن يأتي به لا يجد له أثر، كأنه شبح يختفي في لحظات، رغم أن لديه بيت يعيش فيه لوحده فهو كما قالوا " مقطوع من شجرة".!
لقد دفعني الفضول لمعرفة حمود النامس والشوق لرؤية هذا الشخص الخارق الذي يتحدث عنه الجميع. ولكن كيف سأصل إليه؟!
فكرت وقدرت وفكرت وطننت ثم وصلت إلى حيلة ستجعله يأتي إلي مكرها.
قلت لنفسي:
_ طالما الناس قد أشاعوا بأنني من أولياء الله الصالحين فسأشيع بين الناس أنني سأدعوا على حمود النامس دعوة تجعله مشلولا لا يستطيع الحركة.
كنا في مقيل الشيخ فقلت لهم:
_ اذا لم يتب حمود النامس فسأقنت وأدعوا عليه دعوة ستكون نهايته.
وأضفت في لهجة جادة:
_ من اليوم إذا سرق أي شيء سيرى كوابيس مفزعة في منامه، وقريبا ستكون نهايته.
مرت أيام وبينما كنت أصحح دفاتر الطلاب والساعة قد تجاوزت العاشرة ليلا حيث بدأت أستعد للنوم طرق أحدهم بابي.
لقد ظننت أنه رسول الشيخ جاء بالعشاء.
فتحت الباب وإذا بشاب نحيل كأنه عصا، أصفر اللون وقد تكورت على شدقه تخزينة قات عرمرمية، والعرق يتصبب من وجهه.
لم ينتظر إذني حيث أنسل إلى الداخل كأنه ريح.
_ أشتي ماء يا أستاذ.
قدمت له الماء فشرب كثيرا ثم رمى لي بكيس فيه العديد من حزم القات الفاخر قائلا:
_ خزن يا أستاذ.
_ أنا معي مدرسة الصبح لكن علشانك سأخزن معك ساعة فقط ثم أنام.
هز رأسه وابتسم.
حين بدأت أمضغ القات أنسل خارجا دون أن يخبرني أين سيذهب؟!
مرت نصف ساعة ولم يعد فتعجبت ثم سألت نفسي:
_ لا يكون هذا الذي جاءني جني.!
مرت ساعة ثم انتصف الليل ولم يعد.!
حينها رميت بالقات ثم أغلقت الأبواب والنوافذ وقرأت المعوذات وآية الكرسي والأدعية ثم نمت.
انشغلت بالتدريس وكدت أنساه.
ومرت أيام ولم يظهر وحاولت تذكر ملامح وجهه لكني لم أتذكرها بدقة فزادت شكوكي، وداهمتني الهواجس لكن إلتفاف الشباب حولي وإنشغالي جعلني أنساه.
وفي ليلة الجمعة حين قررت أن أسمر جاء.
ما إن فتحت الباب حتى دخل بصمت، وضع كيس القات جانبا وقال:
_ أنا جاوع يا أستاذ أريد التبرك بالأكل معك، قدمت له بعض الطعام وأكلت معه قليلا ثم سألته:
_ أين ذهبت قبل أيام حين جئت إلي؟!
_ كان معي مشوار.
وأضاف:
_ رحت سرقت صالح عوض.
_ إيش تقول ؟
_ أنا حمود النامس يا أستاذ.
_ إيش ؟
ثم تحدث بكل برود:
_ صالح عوض الذي سرقته مشعوذ دجال يكذب على الناس ويحلبهم فلوس زي الرز، وهم كل همهم حمود راح حمود جاء.!
_ قالوا إنك سرقت خروف عبد الغني ياسين، خروف بحجم العجل.
_ الله يفضحهم، الله يشهد أنه خروف صغير كان سينتحر، فأنا قلت: ألحقه وأتعشى به أفضل ما ينتحر ويروح جهنم.!
_ الخروف كان سينتحر ؟!
_ نعم صعد إلى صخرة مرتفعة جدا، وكان محبط ويفكر بقلق وتوتر فأدركت أنه قرر الانتحار فلحقته وأمسكت به وتعشيته.!
_ عجيب.! أنقذته من الانتحار ثم تعشيته. كثر الله خيرك.!
_ عبد الغني ياسين يا أستاذ جاب كبش سع العجل لصالح عوض علشان يكتب له تميمة محبة تخلي ازدهار فضل تحبه ويتزوجها.!
شيبة عمره فوق الستين ويشتي يتزوج بنت عمرها 17سنة.!!
لزمت الصمت فواصل حديثه:
_ أسألك بالله من الأولى بالخروف أنا جاره الجائع ولا ذاك المشعوذ الدجال؟!
قلت له:
_ مش مبرر يا حمود، مهما فعلوا. الخطأ لا يعالج بخطأ.
_ يا أستاذ نحن بقرية اذا لم تأكل مع الناس ستموت من الجوع، وهم أغلقوا أبوابهم في وجهي، لا أحد منهم سيطعيني كسرة خبز حتى لو طفت البيوت كلها.
لقد رفضوني من قبل أن أسرقهم.
وعندما اضطر وأسرق خروف وأبدأ أطبخ ويشموا الرائحة كلهم يجيئوا يتعشوا معي.
وأقسم لك بالله إن كل واحد منهم يشجعنا على سرقة الثاني، وكل واحد يفتي لي أن سرقة خصمه حلال زلال.!
_ طيب لو قلنا أنك تسرق الخرفان والدجاج لتأكل فماذا عن القات ؟
_ القات ما سرقت إلا من قات قاسم عبد الله لأني أشتغلت معه عدة أيام ولما طلع به قات ذهبت إليه أشتي تخزينة كما وعدني فطردني فسرقت منه بقدر تعبي ومستعد أثبت لك.
كلما سألته بسؤال رد لي بالجواب المسكت حتى بدأت أحتار في أمري. من أصدق ؟!
وختم حديثه برهان أخير:
_ جربهم يا أستاذ يتبرعوا ب 100ريال لصالح المدرسة لن يتبرع أحد، وسيحلفوا بالله وتالله ما معهم ريال لكن خذ أي شيبة منهم على انفراد وقل له:
_ سأعمل لك تميمة المحبة وأخلي الشابة ازدهار فضل تحبك وتتزوجها، وشوف كم سيعطيك ؟!
قاطعته:
_ أعوذ بالله أنا أكتب لهم تمائم ؟!
_ يا أستاذ جرب أعرض عليهم مجرد عرض علشان تعرف حقيقتهم.
وفعلا دعوتهم للتبرع للمدرسة فلم يتفاعل أحد وحلفوا أجمعين أنهم ما يمتلكون حتى الريال الواحد، وحين كنت أنتحي بأحدهم وأهمس لهم بأنني سأعمل له تميمة المحبة التي ستجعل ازدهار تحبه كان الواحد منهم يفرح كأنه طفل أهديت له صندوق ألعاب جديدة، ثم يفتح جيوب الكمر ( حزام عريض في الوسط) ويخرج لي منه عدة آلاف في تلك اللحظة.
فأقول في نفسي:
_ قدوه حمود النامس أخبر بكم. ما لكم الا حمود.
محمد مصطفى العمراني
صراعُ تعرَّضَ للسطو ..وباحثُ يغضُّ الطرف
هل تتحاور المدن ؟!
وداعاً ياسين البكالي.. وداعا أيها الشاعر الغزير
الحقيقة المُرّة.. ودولة المجد
لا تستصغروا اليمن ولا تسلموه للمجهول