آخر الأخبار


الثلاثاء 13 مايو 2025
الجيوش العربية، في معظمها، لا تمتلك عقيدة قتالية حقيقية تصمد بها في وجه المواجهات. فقبل أن تبدأ الحرب، تكون قد انهزمت داخليًا؛ لأن عدوها نجح في زرع الخوف داخلها. نحن لسنا بحاجة إلى العودة بالزمن بعيدًا لنرى ذلك؛ ففي حرب حزيران عاش ابائنا هزيمة مدوية لعدة جيوش عربية وفي ايام، ولو كان لديهم حتى الحجارة يقاومون بها، لكانت مقاومتهم استمرت أطول قبل الاستسلام. وفي حرب عام 1948 سمعنا أن السلاح كان فاسدًا كما درسنا في المدرسة، وعندما طرحنا سؤالاً حول طبيعة هذا الفساد، هل هو "بيض" مثل البيض الفاسد؟ قالوا: كانت الرصاصة ترتد للخلف، وغيرها من التبريرات وبدأ يظهر الانهزام والنكسات خطوة خطوة في شباب الامة.
ولم يكن الجيش العراقي استثناءً من هذا الواقع بعد عقود من هزائم العرب قبلها، فعندما دخل الأمريكيون العراق، خلع الجنود ملابسهم، وألقوا معداتهم وفروا هاربين؛ لأن الخوف سبقهم بعد أن زعزعتهم الآلة الإعلامية الغربية والتحليلات، وتركوا دباباتهم وملابسهم متناثرة على الأرصفة في مشهد ما زال حيًا أمام أعيننا. وهكذا فعل جيش بشار الذي أنهك المجتمع السوري واعتُبر ذاته قبل ذاك حامي الحمى، وكذلك جيش القذافي وجيش صالح أيضًا. جيوش انهارت كالورق عند أول مواجهة حقيقية. وكان من المؤسف أن نعيش كارثة الوهم، حيث ظللنا نتوهَّم أننا نملك جيوشًا عربية يمكن الاعتماد عليها في أوقات الأزمات والدفاع عن الأمة.
عقود طويلة لم يصنعوا فيها سلاحهم ، برغم توفر المال وحتى الكفاءات وتقنيات صناعة السلاح التقليدي، لاسيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية، لم يصنعوا شيئًا ذا معنى، ولا حتى طماشة ولعقود. والدليل؟ ماذا خلفه جيش بشار بعد انهياره؟ لم يجدوا مصانع أسلحة ولا ورشًا، بل وُجد فقط بعض المعامل لإنتاج الأسلحة الكيميائية القذرة لتدمير شعبه، وبجانبها معتقلات ومخازن مليئة بسلاح خردة يشبه أسلحة معركة حطين. اما اسلحة القذافي النووية والتي سلمها الى الامريكان فقد كانت ليس برنامج وانما شقف خردة من اسواق مهجورة.
أما جيش صالح في اليمن لاسيما واليمن مركز المقالة هنا، فقد استهلك أكثر من 10.5 مليار دولار خلال ثلاث سنوات ولم احسب عقدين او ثلاثة، أي ما يعادل 3.5 مليار دولار سنويًا، وخسر السيطرة على اليمن في 35 دقيقة فقط، دون مقاومة تذكر. في هذه المدة القصيرة، أصبح البلد بأكمله خارج السيطرة: حدوده، بحاره، ومطاراته. أنا لا أناقش هنا انقلابًا أو شرعية، ولكن هل يعقل أن تستهلك مؤسسة عسكرية كل تلك المليارات ثم تختفي هكذا ولاتحاول ان تصمد، وهم يشاهدون العاصمة صنعاء تتحول إلى فرزة للطائرات الأجنبية مع بداية الحرب؟
من يتابع الأحداث عبر العقود الماضية، يكتشف شيئًا واحدًا واضحًا فقط وهو إننا كمجتمعات عربية تألمنا من سلاح جيوشنا، ليس لأنه استُخدم لتحقيق نصر أو حماية شيء تؤمن به او حماية نظام– حتى لو كان باطلًا – بل لأن هذا السلاح سبب احتراق مجتمعاتنا دون جدوى، واستُخدم في ضربنا من الداخل وبشكل عنيف جعل النسيج الواحد يتمزق . هذه النقطة الاولى اما الثانية فهي مايدور امامنا في العالم الازرق.
تابعت تحليلات الكثير في العالم الازرق، والذي يحركهم رغبة او امنية ان مايقولوه صح حيث تصب قناعتهم أن الكثير لايريد ان يشاهد الوضع كما هو. الواضح اليوم أن اليمن صار يتحكم في مضيق باب المندب والملاحة الدولية دون اكتراث بالقوى الدولية، مما اعاد تعريف الامن القومي العربي في الممرات وهنا تبدي كل المجتمعات العربية ارتياح في باطنها من ذلك. وجدنا اليمن يُجرّ إلى صراعات دولية وفي مركز الاخبار العالمية، ولم يعد الأمر كما كان قبل عشر سنوات مجرد انقلاب وشرعية، ولم يعد العالم والمنطقة تهتم كيف بدأ الصراع. وجدنا فوق ذلك، حدث تطور سريع تمثل في تأقلم الشعب اليمني مع مفهوم الحرب والدمار والمعاناة ولم يعد العالم يهتم بالمجاعة الانسانية واختفت المعاناة الانسانية من رادار الاهتمام الدولي. وجد العالم جماعة صنعاء تنتج سلاحها بتقنية عالية تخترق انظمة الدفاعات المتطورة وعلى بعد الفين كيلو من صنعاء، سواء بخبرات إيرانية أو موزنبقية، وهذا ليس محور النقاش وصارت رقمًا إقليميًا صعبًا، بينما الشرعية بلا معالم واضحة حتى وإن زادت أوزانها وهنا تغير مفاهيم القوة والسيطرة اليوم. هذه الأمور أدركها الأمريكيون والبريطانيون في النهاية بعد أن ظنوا أن الأمور مجرد نزهة لهم، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أنه لم تكن لديهم معلومات واضحة، وهذا ما دفع دولة الاحتلال إلى المطالبة بشن هجمات سيبرانية على المنظومات الحيوية في اليمن، وهو مؤشر واضح على عدم فهمهم الحقيقي للواقع اليمني.
وخلاصة الأمر، شئنا هذا أم أبينا، أمريكا انهزمت في اليمن لانها لم تغير شيء كما كانت تريد، وصحيح لم تُعلن الهزيمة رسميًا، لكن الواقع يقول أن واشنطن فقدت القدرة على التحكم بصنعاء ولايفيدها التحكم بالشرعية، ووجدت نفسها مضطرة للانسحاب أو التخلي عن بعض اهدافها. وهم اليوم يدركون تمامًا أنه يصعب عليهم العودة إلى صنعاء دون دفع سلام حقيقي بين اليمنيين، وهنا يمكننا النجاح من هذا الباب اذا انتهزنا الفرصة.
فاليمن امامهم دولة أكثر تعقيدًا من أفغانستان أو فيتنام، وهي دولة غير قابلة للاستعمار أو التغيير السهل، ولن تكون سوى كابوس ذي أبعاد عدة لأي معتدٍ. اليمن تشبه القبائل الجرمانية اليوم من باب السياق حيث قامت قبائل الجرمان قبل التاريخ، بعد أن نظر إليها جيش الإمبراطورية الرومانية على أنها بلا معنى، بإبادة ربع جيش الإمبراطورية الرومانية باسلحة بدائية في أرضهم شمال نهر الراين في عهد أرمينيوس، مما دفع روما إلى بناء أسوار بينها وبين تلك القبائل لمدة 400 عام، كذلك سيكون حال اليمن مع أي دخيل، شئنا هذا أم أبينا ويجب ان تبقى للابد مقبرة للغزاة. والسؤال اليوم أين يجب أن نجد الحل؟
والإجابة واضحة: حرب عشر سنوات غيّرت المجتمع اليمني، وعلى الرغم من الدمار الهائل، فإني على قناعة بأن اليمن قادر على التعافي بسرعة بوجود مشروع "مارشال" تنمية حقيقية وتغيير المعادلات بأكملها، وقادر على ان يكن ذخر وسند للمنطقة العربية وشريك ينظر اليه باحترام، وليس تابع او مستجدي اذا سعى الجميع لايجاد صيغة سلام حقيقية ودعمه للانطلاق. واتمنى ان يكن ملف السلام بشكل حقيقي في زيارة ترامب للمنطقة على الطاولة.
جولة ترامب… وقمّة بغداد
كل شيء بثمنه!
المرأة العدنية: عمود النهوض في زمن التحديات
المناصب لا تخلد أحدا... لكنها تفضح الجميع!
الخارجية اليمنية... شعرة معاوية
لماذا سُمي يوم السبت؟