آخر الأخبار


الأحد 8 يونيو 2025
أمس كانت لدي محاضرات حتى الساعة السابعة مساءً، وفي نفس اليوم وصلني خبر وفاة برفيسور عزيز عليّ جدًا، وكان لا بد من أداء الواجب. وفي ذات اليوم أيضًا، وصلني خبر موافقة جهة تمويلية على مشروع أعمل عليه بالتعاون مع قسم الاقتصاد، وبتمويل يمتد لثلاث سنوات وعليا ارتب امور عدة واتصالات وغيره. المشروع يهدف إلى تطوير تقنية ذكاء اصطناعي لكشف الكذب في السلوكيات والمعاملات التجارية. وبجانب ذلك، وصلني بريد إلكتروني من صديق برفيسور يفيد بوجود فرصة تمويلية لتجهيزات بقيمة نصف مليون يورو، شريطة تقديم المشروع انا وهو خلال أقل من 24 ساعة - وهي مغامرة قد تكون مُربحة إن نجحنا فيها. الموعد النهائي كان عند الساعة الثانية ظهر اليوم والوقت قصير، ويجب أن يتضمن المقترح أيضًا عروض أسعار من شركات متخصصة، أي سلسلة اتصالات سريعة ومكثفة. ولم يقف الأمر هنا، بل وصلني أيضًا خبر خصم مبلغ 134 ألف يورو من تمويل مشروع، فكان لا بد من صياغة مذكرة قانونية بناءً على أوراق عمرها سنة ونصف للإعتراض والرجوع للملفات وغيرها، بالإضافة إلى إجراء العديد من الاتصالات التنسيقية والفنية حول الموضوع. كل هذه الأمور عادية لدي في العمل بجانب المحاضرات وفي فترة لا تتعدى 24 ساعة. وفي نفس الـ24 ساعة، كان لا بد لي أن أنام خمس ساعات فقط، ثم أذهب لأداء صلاة العيد، ومن بعدها أخرج عائلتي لتناول الغداء في مطعم كجزء من أجواء العيد لهم ولو لمدة 45 دقيقة.
والآن، الساعة السابعة مساءً يوم العيد وفي المكتب، بعد أن ارسلنا المشروع وأنهيت كل المهام، وجالس في مكتبي أنظر إلى السماء متكاسل حتى عن الحركة. الآن صرت أفهم سر اختيار المباني الزجاجية مكاتب؛ لأنك عندما تنظر إلى الأفق، تنسى الدنيا والوقت ولا تشعر بشيء وتعود لنفس الطاقة والنشاط بعد نصف ساعة. وعندي مكتب يفتح النفس اشعر انني ادير المجرة منه لانه مثل المخ. المهم هذا هو عيد الاضحى رقم 34 في الاغتراب ولا اجده الا يوم عمل عادي هنا في الغرب بل هو أكثر إرهاقًا واستنفارًا من الأيام الأخرى.
قبل عدة أيام، سألتني ابنتي الصغيرة أسئلة من نوع انترفيو "واجب منزلي لها للمدرسة"، عن رحلتي من الماضي وحتى الآن، وعن الشيء الذي لم أتمكن من تحقيقه طوال حياتي. كانت هناك أسئلة صعبة، وبالذات سؤال: ماذا تفتقد بابا في الاغتراب؟ وذلك لأنها طفلة صغيرة، وأشعر بأنها تمتلك كل شيء، ويمكنها الإبحار بحرية في حياتها، لأن الطريق واضح أمامها ومجهزة بما تحتاج، وهي تستند إلى بيئة وعائلة ومدرسة ودولة داعمة لها. نظرت إلى نفسي مليًا، ثم أجبتها:
"منذ كنت طفلًا، لم أشعر إلا أنني معلق على شاص في طريق جبلي واعر. كلما وصلت إلى مكان، تتوقف فيه الشاص لوهلة استغل الوقت فقط لأتنفس من إرهاق الطريق، ثم تعود الشاص وأنا فيها للطريق الواعر وعليا اتمسك بشدة حتى لا اسقط. طفولة لنا في طريق واعر نتنفس ونشعر بالامان فقط لوهلة صغيرة لاتملك وقت حتى تتأمل حولك أو تستمتع وأنما تفكر أن لاتسقط."
وهذا الحال جسده قصة أحد اليمنيين وهو الان كبير اطباء هنا كان معنا. لم يكن يعرف السباحة، ومع ذلك نزل إلى المسبح الذي يبلغ عمقه أربع أمتار، وكان هناك سور على جدار المسبح بسياج حديد اي ممسك ناعم. أمسك به بيده، وبدأ يضرب الماء باليد الأخرى ويطفش من يقرب منه من باب المزاح وهو يضحك، وكأنه يستمتع أنه مثله مثل غيره وانه صار مثل الالمان مستمتع. المدربة الألمانية التي تراقب المسبح لم تكن تعرف أنه لا يعرف السباحة، وأنه يمسك بالسور كي لا ينزل إلى القاع او ينزلق، وأنه يستند إلى درجة في الجدار. بدون أن يشعر، جاءت من الخلف وفتحت يده من السور ودفعته ليشارك غيره متعة السباحة بدل الزبج حقه وطفاش الماء. وهنا بدأت رحلة المعاناة له.
قال لي: "في تلك اللحظة، شعرت وكأنني حجر يسقط إلى القاع. أول ما وصلت الأرض، ضربتُها بشدة لأصعد سريعًا لانني خفت اموت، وبالطريق للسطح افكر اخذ هواء بسرعة عندما اطل براسي فوق الماء لثوانٍ قليلة. ثواني كافية لأخذ شهيقًا سريعًا، ثم أعود للقعر مرة أخرى.ثواني هي كل مالدي لكي أستمر، وكلما وصلت للقاع، أضرب الأرض بشدة مثل سلك الزنبركي لأصعد مجددًا، أشهق هواءً، وأعود للقعر. والجميع يعتقدون أنني ألعب وأمزح، بينما أنا أصارع الغرق."
وقال من التعب استسلمت للموت وشعرت أن لامفر من ذلك بعد ما شرب على قولته كم لتر ماء من المسبح، حتى نطت المدربة واختطفته من الماء وقالت له: "ما دمت لا تعرف السباحة، لماذا نزلت المسبح الكبير؟" وهذه الصورة هي التي أراها تجسد كفاح اليمني: ثوانٍ قليلة يأخذ فيها شهيقًا، ثم يعود إلى الكدح والتعب.
وأنا أحلم بأن لا نعيش كمجتمع يمني مجرد ثوانٍ قليلة نأخذ فيها شهيقًا قبل أن نعود إلى المعاناة، بل نرغب أن نتعلم السباحة حقًا، لننافس بين البشر في مجتمعنا وبلدنا، ولا نترك أحدًا منا ينزل إلى القاع ليصارع الموت والإخفاق لانه لم ننتبه انه لايجيد السباحة مع البشر في اسواقهم.
عيدكم مبارك، وكل عام وأنتم بخير.
صفعة ماكرون... وفضيحة العدالة العربية!
الفرق بين المقاومة الحقيقية والاستعراضية
عيدكم مبارك، وثوان قليلة يأخذ فيها شهيقًا!!!!
في هذا الوقت سيصبح الحوثي مجرد ذكرى سيئة في تاريخ بائد.!
سرطان يهدد أزمنة اليمن
الحوثية بعيون سعودية: فراشة ليلية؟ أم كباش جبلية؟ … وتعليقات بعيون يمنية