الثلاثاء 17 يونيو 2025
سيسقط خامنئي.. المرشد الذي لم يرشد إلا نحو الهاوية
الساعة 12:39 مساءً
فتحي أبو النصر فتحي أبو النصر

 

في كوكب السياسة، هناك زعماء يُخلِّدهم التاريخ، وهناك زعماء يخلِّدون التاريخ نفسه في حفرة، يدفنونه هناك ثم يجلسون فوقه ليخطبوا عن "المقاومة " و"الثورة" و"الأعداء المتربصين".

علي خامنئي ينتمي بثقة مذهلة إلى الفئة الثانية، فئة الزعماء الذين لو أُعطيت لهم كرة أرضية لأعادوها وهي تحترق، لكنهم سيصرون أنها كانت محاولة لتدفئتها.

المرشد الأعلى لإيران، والرجل الأدنى في سماع صراخ شعبها، يتربع على عرش من الخوف والتسلط منذ 1989، وكأنه أحد عوارض زلزال الثورة التي بدأت بوعد التحرر، وانتهت بسياط "الولي الفقيه"..

ثلاث عقود ونيف من حُكم الظلال السوداء، والنتيجة: جيل شاب يصرخ من فوق أسطح طهران "الموت للديكتاتور"، بينما يُمنع من ارتداء ما يريد، أو حب من يريد، أو حتى من التنفس بحرية في شارع يملكه الحرس الثوري أكثر مما يملكه الشعب.

ترى هل خطر بباله للحظة أن الشعب الإيراني لا يحتاج "مرشدًا"، بل يحتاج "مسؤولا"؟ شخصا يفتح مدرسة لا مقبرة، مشفى لا حسينية، شبكة إنترنت لا شبكة اعتقالات.

لكن لا، فخامنئي لديه رؤية أعمق، رؤية مستوردة من كتب القرون الوسطى، يطبقها في عصر السوشيال ميديا، ناسفا كل ما هو عصري باسم "الثوابت".

والشاهد أنه الرجل الذي نصب نفسه ظلا لله على الأرض، ويكاد يُقسم كل خطبة أنه يعرف ما في القلوب والنوايا، لم ينجح يوما في قراءة نوايا شعبه.

ربما لأنه لم ينظر يوما إلى وجوههم إلا عبر عدسات الأمن، أو في تقارير " الباسيج".

ولنتذكّ أن خامنئي لم يُنتخب، بل نُصب على حين غفلة، كأن التاريخ عثر عليه في زاوية ما من خزانة الثورة، وقال: لنجرب هذا الرجل، ما أسوأ ما يمكن أن يحدث؟ والجواب أتى: كل شيء.

قمعٌ، فقرٌ، عزلة دولية، انهيار العملة، اغتيالات، سجون ممتلئة بالعقول، وميليشيات تصدر الموت والتخلف حيثما حلت.

على إن هذه هي إنجازات مرشد الجمهورية الإسلامية، التي تحولت إلى جمهورية أمنية بامتياز، يحكمها العسس لا الدستور، والخطابة لا الاقتصاد، والشعارات لا الخبز.

و خامنئي لا يُحكم بل ،"يُوحى إليه"، ومن يعارض الوحي يُكفّر، يُخوّن، يُقتل، أو يُنسى في أقبية سجن إيفين.

صدقوني إنه يشبه قارئا متحمسا لتاريخ الثورة الفرنسية، لكنه توقف عند فصل المقصلة وأُعجب به كثيرا.

وهكذا منذ سنوات، يمشي الرجل بخفة قاتل محترف بين الملفات النووية، والميليشيات العابرة للحدود، ويصر على أن كل شيء على ما يرام، حتى لو احترقت المصارف، وهاجر الأطباء، وفُرغت المدن من الحياة.

لكن هل يمكن لإسرائيل أن تقتل البرنامج النووي الإيراني؟ سؤال تطرح حوله التحليلات، لكن السؤال الأدق ربما هو: هل يمكن قتل فكرة خامنئي؟

تلك الفكرة التي ترى أن كل إصلاح خيانة، وكل معارضة مؤامرة، وكل تظاهر موجه من تل أبيب وواشنطن و"الجن الأزرق"؟

نعم..هذه الفكرة أكثر تدميرا من أي يورانيوم مخصب، وأكثر تهديدا من أي منشأة في نطنز أو فوردو.

ولعل الغرابة أن الرجل، مع كل فشله السياسي والاجتماعي والاقتصادي، يصر على أنه "منتصر" وكأن النصر تعريفه الوحيد هو: البقاء. البقاء في القصر، البقاء في الخطبة، البقاء في الصورة.

بل لا يهم كم شابا أُعدم، ولا كم امرأة جُلدت، ولا كم جمجمةً حطمت في تظاهرات، طالما العمامة لا تزال على رأسه.

بمعنى أدق فإن خامنئي يريد حربا لا تكلفه شيئا، ونصرا لا يتطلب منه سوى إصدار فتوى.

لكنه نسي أن الحرب تُستدرج، ولا تُتحكم في مساراتها بمجرد التحذلق أمام الكاميرات أو الضرب على الطاولة.

ذلك أن إس..رائيل، هذه المرة، لم تعد تكتفي بضرب الذراع، بل تفكر في الرأس.

فالرؤوس التي تسكن السراديب لا تُطمئن أحدا، والأنظمة التي ترتعد من الاحتجاجات لا تنتصر، بل تهرب من تاريخها إلى فجوة زمنية ميتة اسمها: "الحكم الأبدي".

فهل سيرحل خامنئي؟

ربما لا اليوم، وربما لا غدا، لكن المؤكد أن اسمه سيبقى في التاريخ كمرشد أخطأ كل الاتجاهات، وأوصل شعبه إلى ظلام، لا نور فيه إلا من لهيب الحناجر الثائرة.

ثم إن الديكتاتور لا يسقط حين يُغتال، بل حين يُفضح، حين يُسقطه الناس من قلوبهم أولا. وخامنئي، يبدو أن القلوب ضاقت به منذ زمن.

وما لا يدركه خامنئي – أو يتجاهله عامدا – أن العالم تغير، وأن صوته المبحوح الذي يخرج من حنجرته المغبرة لم يعد يقنع حتى الذين يُجبرون على تصفيقه.

يقول شيئا ويفعل نقيضه، يطالب بالزهد ويعيش في قصور محصنة، يرفض التطبيع ويفاوض سراً، يحث على الأخلاق وقادة نظامه يتاجرون بالمخدرات والسلاح، يهاجم أمريكا كل صباح، ويتمنى رضاها كل مساء. رجل يعيش في خطاب، وشعبه يعيش في العذاب.

بل هو الحاكم الوحيد في المنطقة الذي يعادي "الشيطان الأكبر"، بينما يرسل أولاده للدراسة في جامعاته!

إنه مهرجان دائم من التناقضات: نظام يعظ عن الشهادة، ويستثمر في البنوك الغربية.

يزعم دعم المستضعفين، ويقمع كل من يفتح فمه داخل إيران.

يتحدث عن حرية فلسطين، ويسجن من يتحدث عن حرية طهران!

لكنه خامنئي الذي يُصدر الأوامر كما لو كان الزمن متجمدا، وكأن "الزمن الجميل" هو ذلك الزمن الذي يُعدم فيه المعارضون جماعيا ويُدفنون سرا في مقابر مرقم.

ولكن حتى الزمن لا يحتمله بعد الآن، حتى التاريخ بدأ يتثاءب من ملل الخطب التي تُعاد وتُكرر كل جمعة، بينما القلوب تهتف سراً: "كفى"!

بمعنى آخر إنه رجل يخاف من المستقبل، ولهذا يتمسك بالماضي كما يتمسك الغريق بقشة. ولكنه لا يعلم أن القشة قد أصبحت مقصلة.

وأن الشعوب، حين تغضب، لا تنتظر إذنا شرعيا من الولي الفقيه لتثور.

بل كل ما تحتاجه هو لحظة... لحظة ينهار فيها الخوف، وينهض فيها الحلم التحرري، عندها لن تنفعه فتوى، ولن ينقذه سرداب.

ثم أي ثورة إسلامية هذه التي بشرت بالكرامة، فإذا بها تضع حجابا على الروح، لا على الرأس فقط؟

لقد خذلت الثورة صبايا إيران... خذلتهن حين حولت الحلم إلى مؤسسة دينية تُتاجر بأجساد النساء تحت لافتة "زواج المتعة"،

وتمنح رجال السلطة حق العبث بطفولة البنات باسم "العقود الشرعية".

نعم..أين تلك الكرامة التي وعدتم بها؟ فيما صارت المرأة عندكم شعارا يرفع في الميدان، ثم يسحق في الزنازين.

ويا من حولتم بنات شيراز وأصفهان من شاعرات الحياة إلى أسيرات فتاوى العار...

ألا تخجلون؟

ألا ترتجف عمائمكم من صمت الأمهات، ومن دموع بناتكم الهاربات ليلا عبر الحدود؟

لذلك يجب أن تسقط ثورة تبيع شرف شعبها لتشتري بقاء مرشد يتقن الخطابة، ويجهل الرحمة.

فإلى ذلك اليوم، سنبقى نكتب، ونضحك بسخرية سوداء من رجل يرتدي عباءة الدين، ويُمارس السياسة ككاهنٍ فقد طقوسه، لكنه لا يزال يصرخ: "أنا الحق".


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار