الخميس 15 مايو 2025
حين تكلّم اليمن في المؤتمر الإسلامي!
الساعة 11:43 صباحاً
خليل العمري خليل العمري

من جاكرتا، وعلى منصة المؤتمر الإسلامي، لم يكن النائب البرلماني عبدالرزاق الهجري يقرأ بياناً بروتوكولياً باسم مجلس الشعب اليمني، بل كان يُنقّب في ذاكرة بلد يتشظّى، ويكتب، مرافعة شعب منسيّ في أرشيف المصالح الدولية.

لم يكن الهجري نائباً في وفد رسمي فحسب، بل ساعي بريد يحمل رسالة شعبٍ ضاعت حروفه في زحام المآسي ، فاختار أن يكتب دمه بيده. ويال له من شعب عظيم وجبار نحت صبره على قمم الجبال اليمانية الشامخة. 

ظهر الهجري حينما غاب الكبار ، وأضاء حينما اطفئت المصابيح عمداً ، حمل شجن بلاده في محفظة جلدية قديمة، ورتب أحلامه كما يرتّب كلماته، دون أن يعرف أن ما قاله سيجعل وجع بلاده مسموعاً ولو للحظات.

قال الهجري، وهو يتجاوز الرسميّ إلى الإنسانيّ، ويتنصل من المهادنة لصالح الحقيقة:

“من يقتل أبناء وطنه لا يملك أن يتحدّث عن كرامة فلسطين.”

لم تكن هذه جملة عابرة. كانت طلقة وعي، في زمنٍ كثرت فيه الأصوات التي تقتل وتبرّر، وتحتكر القضية لتستبيح الأرض والإنسان.

الحوثي ليس مجرد خصم سياسي، كما قد يبدو لمن ينظر من الخارج. الحوثي، كما وصفه الهجري، هو “جوهر الأزمة”، لا عرضها. مشروعٌ طائفي بتمويل خارجي. 

وحين يقول إن إيران هي الراعي الرسمي لهذا الانقلاب، فهو لا يرد على مندوبها، بل يقدّم خلاصة عقد من الدم، حيث تمدّ طهران ذراعها إلى خاصرة اليمن، لا حباً فيه، بل طمعاً في موقعه، وابتزازاً لجيرانه، ومساومة على طاولة الإقليم.


في كلمته، استعاد اليمن صورته الأولى: أرضاً للجمهورية، لا ساحةً للميليشيا. وطناً يُقصف لأنه قال “لا”، لا لأنه أخطأ. وكان شجاعاً حين ربط بين عدوان الداخل وعدوان الخارج، حين اعتبر أن صمت الحوثي عن الاعتداءات الصهيونية الأخيرة ليس انحيازاً لفلسطين، بل طاعةً لرعاته، واستخداماً لليمن كورقة تفاوض في غير معركته.

لكن وسط ذلك كله، لم ينسَ غزة. لم ينسَ البيوت التي تُهدم فوق أصحابها، ولا الأطفال الذين ينامون على قصف ويستفيقون على رماد. تحدث عن فلسطين لا كقضية مزايدة، بل كمرآة يرى فيها اليمن نفسه. فالقتلة يتشابهون، والساحات واحدة، وإن اختلفت الجغرافيا.

في ذلك الصوت اليمني، كانت كل نبرة تحمل حكاية. وفي كل جملة، كان صدى الشوارع المكسوة بالغبار والظلام، والبيوت المفتوحة على الفقد، والمآذن التي سُرقت منها الصلاة، والأحلام التي لم تكتمل.


لقد تكلم اليمن، لكن ليس كعادته…

تكلم وهو يضمد جراحه، لا ليطلب شفقة، بل ليذكرنا جميعاً أن الصمت على القتل شراكة، وأن المجاملة في زمن الخراب خيانة.


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار