آخر الأخبار


الجمعة 30 مايو 2025
طبعا في سِفر الخراب اليمني، تتزاحم الأسماء على لوائح العار، لكن قلة فقط تملك موهبة الركوب على حطام الوطن بوجه سميك وخطاب رخيم، منهم سلطان البركاني، رئيس مجلس النواب الذي لم يعد يُشبه سوى تمثال أثري في متحف للحماقات السياسية.
فالرجل، الذي بدأ حياته السياسية في زمن كانت فيه الوطنية لا تزال خيارا مطروحا، أنهى رحلته في سخوق نخاسة السلطة، يبيع فيه عرائض ركيكة الصياغة مقابل حفنة ريالات سعودية ودراهم إماراتية.
و
لا غرابة، فهذا البركاني، صاحب نظرية "قلع العداد"، والوجه الذي أطل علينا من شرفة 1993 ولم ينزل منها حتى انهار كل شيء عدا حساباته البنكية.
والشاهد أن المليونير سلطان البركاني لا يحكم، لكنه يكتب برقيات.
نعم:
ففي كل موسم ديني أو فرائحي أو حتى مأساوي، يخرج علينا ببرقية مليئة بالمفردات التي فقدت معناها، يشيد فيها بالحكمة، ويشجب فيها "الوباء الكهنوتي"، ثم يعود ليختبئ في شقته التي يملكها وسط مدينة القاهرة أو قصره الفخم المطل على وادي البركاني في تعز والذي بناه بينما الحرب مازالت تدور بتسعة ملايين ريال سعودي، وكأنه بطل في ملحمة خيالية لا أحد سوى اللامعقول يراها.
وللتخيلوا رئيسا لمجلس النواب في بلد تمزقه الحرب منذ أكثر من عقد، يجلس في شقته في القاهرة، ويتذكر أن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان"سلم عليه زمان"، كأن هذا المصافحة التاريخية منحته صكا إلهيا بالفساد الأبدي.
على إن البركاني لا يمثل شعبا. بل هو يمثل طبقة سياسية هجينة، لا هي نخبٌ فكرية ولا زعامات وطنية، قدر ما هي مزيج من القوادة السياسية والسمسرة السلطوية.
وهو نفسه رأس تلك المنظومة التي تحولت فيها الدولة إلى كيان وهمي تُدار عبر رسائل "واتساب" ومخصصات ضخمة تُصرف مقابل الصمت أو التأييد.
بمعنى أدق يتحدث عن المشروع الوطني، وهو الذي رفض مجرد تعديل قانون لمكافحة الفساد.
فيما يشجب الإمامة ويشرب الشاي مع وكلائها في الخارج. ويمارس دوره الوطني في حماية اللصوص، خصوصا المسؤولين ليس باعتباره أحدهم، بل شيخهم.
أما مجلس النواب؟ فلا أحد يعرف متى اجتمع آخر مرة.
أعضاؤه موزعون بين الفنادق والمهاجر، يتقاضون آلاف الأموال شهريا نظير تمثيل شعب لا يملك حتى قيمة إسبرين.
أما رئيسهم المبجل، فهو مكرس لمهمتين مقدستين منذ سنوات:
كتابة التهاني للرئيس، وتأثيث قصره الجديد بالقرية بأجود أنواع الرخام الإيطالي.
طبعا لكم هو محبط أن تتحول وظيفة رئيس البرلمان إلى ما يشبه "كاتب عرائض فندقية" يوزع التبريكات كأنها فتاوى شرعية، بينما البلاد تحترق، والناس يكتوون بنار الجوع والذل، وسعر صرف العملة يواصل الانتحار يوميا.
اتذكر كان أحد الأصدقاء يقترح أن يُعقد البرلمان في "جزيرة كعال فرعون" وسط المحيط الهندي لو كانت المناطق المحررة غير مأمونة أمنيا.
والحق أن هذا الاقتراح منطقي جدا، فالمكان الحقيقي لمجلس البركاني هو أي شيء بعيد عن اليمن، لأنه لا علاقة له بالوطن ولا بمشاكله، بل بعلاقاته ومكاسبه.
ويا لسخرية الأقدار، حين يتحول رجل بحجم البركاني إلى بائع ماء في "حارة السقائيين"، فالأمر ليس مجازا بل حقيقة مريرة.
ذلك أن الرجل يُعطي الشعارات ويتاجر بالقضايا، ويترك المواطنين في صحراء العطش والانطفاء الوطني، كأنه يقول: "أنا لي النور، وأنتم لكم العطش".
وبالتاكيد ففساده ليس سرا.
من الكهرباء في حضرموت إلى الاتصالات في عدن، ومن صفقات النفط إلى مخصصات سعودية وامارتية شهرية، بمئات الآلاف.
بمعنى أدق فإن البركاني ليس مجرد شاهد على الفساد، قدر ما هو مهندس من طراز خاص، له نسب ونصيب، وكلمة في كل صفقة، وبصمة في كل كارثة.
و
نعم، حين تُبنى القصور بينما تنهار العملة، فاعلم أن السياسي لم يعد سياسيا بل سمسار جشع، والمواطن لم يعد مواطنا بل رقما في حساب الخسارة.
على إن أعظم مآسي اليمن اليوم ليست الحرب فحسب، بل تلك النخب التي ارتضت أن تكون عبئا لا أداة خلاص.
ثم إن سلطان البركاني ليس حالة فردية، بل عنوان عريض لانهيار المعايير واحتقار الشعب. رئيس مجلس نواب لم يَعُد يمثل سوى نفسه، ومصالحه، و"أصدقاءه" في الفساد.
وهكذا، نحن أمام لوحة سريالية: دولة بلا دولة، برلمان بلا جلسات، رئيس مجلس بلا شعب، ووطن يُباع قطعة قطعة.
ثم أجل.
حين تتحول التهاني إلى وظيفة رسمية، وتصبح "الشيخ زايد سلم عليا" شهادة تأهيل سياسي، فإن هذا الوطن يحتاج إلى أكثر من ثورة... يحتاج إلى إعادة ضبط كاملة لمفهوم "النخبة"، لأن النخبة حين تكون بهذا الانحطاط، فإن الشعب لا يُلام إن هتف: "ارحلوا... كلكم".
تذكرت الشيخ سلطان البركاني وأنا أقرأ تهنئة نشرها في صفحته على موقع فيسبوك ولأن المقوت الذي باعني الليلة الماضية القات كان يشبهه.. تماما.
أما كتيبته الإعلامية، فحدث ولا حرج! مرتزقة الكلام، يستلمون الرواتب منه لا من أجل الحقيقة، بل لحراسة فساده كما تُحرس النعاج بثعالب. فيما يهاجمون الشرفاء بالتخوين، وكأن الوطنية تُقاس بعدد التحايا التي يرسلونها له في مجموعات الواتساب آخر كل شهر!
حرب اليمن.. ناصر ظالم أم مظلوم؟!
محطة مفصلية
من يفجر مخازن الأسلحة؟