آخر الأخبار


الأحد 29 يونيو 2025
في الوقتٍ الذي يعيش فيه اليمن واحدة من أسوأ أزماته الإنسانية والأمنية ، تبرز تجارة المخدرات كأحد الأعمدة الرئيسية ، التي تستند إليها ميليشيا الحوثي ، في تمويل أنشطتها العسكرية والسياسية ، هذه التجارة المحرّمة لم تعد مجرد وسيلة ربح غير مشروع ، بل تحولت إلى أداة استراتيجية شاملة تمس الأمن القومي والاجتماعي ، وتستخدمها مليشيات الحوثيين ضمن شبكة إقليمية عابرة للحدود .
منذ سنوات الحرب الأولى ، بدأت جماعة الحوثي في بناء اقتصاد مواز يقوم على التهريب ، والسوق السوداء ، والجبايات ، وكان لتجارة المخدرات موقع الصدارة ؛ فالتقديرات تشير إلى أن الحوثيين يجنون ما بين مليار إلى مليار ونصف مليار دولار سنويا من تجارة المواد الممنوعة ، وعلى رأسها الحشيش ، والكبتاجون ، والشبو، والهيروين ، والترامادول .
تجارة المخدرات لم تعد مقتصرة على شبكات صغيرة أو نافذين ، بل أصبحت عملا ممنهجا يشرف عليه قيادات عليا في مليشيات الحوثيين ، خصوصا من الجهاز الأمني المعروف بالأمن الوقائي ؛ حيث يعد ذراعا استخباراتيا واقتصاديا ينشط في هذا المجال .
تشير المعلومات إلى أن تجارة المخدرات في اليمن لا تتم بمعزل عن الأذرع الإقليمية الداعمة للحوثيين ؛ فـالحرس الثوري الإيراني ، الذي يمول أذرعه في المنطقة عبر أساليب التهريب وتجارة السلاح والمخدرات ، يقدّم الدعم الفني والتدريبي للحوثيين ، خصوصا في ما يتعلق بأساليب الإخفاء ، والتهريب ، وشبكات التوزيع ، كما يتقاطع الدور الإيراني مع حزب الله اللبناني ، الخبير في هذه التجارة ، إلى جانب نظام بشار الأسد قبل سقوطه ، الذي تحوّل منذ سنوات إلى مركز إقليمي لإنتاج الكبتاجون ؛ حيث تشير تقارير دولية إلى تورط مصانع يديرها نظامه في تصدير المخدرات إلى الخليج وأوروبا مرورا بلبنان واليمن .
استخدمت جماعة الحوثي عدة مسارات للتهريب : المسار البحري عبر موانئ الحديدة التي تسيطر عليها ؛ موانئ رأس عيسى والصليف وكمران ، تستخدم كقنوات لاستقبال الشحنات من إيران ولبنان مرورا بالساحل الإفريقي ، المسار البري عبر صحراء الجوف ومأرب وصعدة ؛ لتسهيل وصول الشحنات إلى الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية ، المسار الجوي عبر استخدام طائرات مسيّرة صغيرة ؛ لتهريب المخدرات إلى المناطق الحدودية ، كما كان يصنع نظام بشار الأسد في تهريب المخدرات للأردن والعراق .
تمكنت قوات خفر السواحل اليمنية والقوات الدولية المتواجدة في بحر عمان والبحر العربي والبحر الأحمر من ضبط عشرات الشحنات ، كانت في طريقها للحوثيين ، بينها ما يزيد عن 70 طنا من المواد المخدرة ضبطتها القوات البحرية الأمريكية .
الريع الاقتصادي لتجارة المخدرات الحوثية ، لا يتوقف عند الشراء والبيع ، بل يستخدم في تمويل مشروع الحرب بالكامل. ويقدر خبراء الاقتصاد ان توزيع الحوثيين لعائدات المخدرات على النحو التالي : 60% للمجهود الحربي شراء الأسلحة ، وتطوير الصواريخ ، وانتاج لطائرات المسيّرة ، 25% لرواتب الجنود والمشرفين ، 15% لغسل الأموال عبر شركات تجارية وعقارية تعمل في الظاهر بشكل قانوني .
إلى جانب البعد المالي يستخدم الحوثيون المخدرات كأداة لتفكيك المجتمع ، عبر استهداف الشباب ما بين سن 15 إلى 35 عاما ، لا سيما الذكور ، في الجامعات والمدارس والمراكز الصيفية ومجالس القات ، إضافة لتجنيد النساء والفتيات ؛ لتهريب المواد المخدرة ، ويتم توريط المراهقين عبر منحهم المخدرات مجانا ، ثم ابتزازهم وإجبارهم على الترويج .
تشير دراسات اجتماعية إلى أن المقاتلين الحوثيين يتم تزويدهم بـالمخدرات تحت مسمى حبوب الشجاعة ، وهي منشطات مخدرة تؤدي إلى تغييب وعيهم الأخلاقي والإنساني ، وتجعلهم أكثر طاعة وانقيادا لأوامر المشرفين ، ويمنح الحوثيون تعاطي مقاتيلهم المخدرات بعدا أيدلوجيا ؛ حيث تقدم لهم كمحفزات لتقوية ما يسمونه الجهاد ، واستمرار القتال لفترات طويلة ، وخلق قطيع من المقاتلين التابعين غير القادرين على التفكير المستقل ؛ فالحوثيون لا يعتمدون على فرض السيطرة بالقوة ، بل أيضا بتدمير إرادة الرفض ، كما يبيح الحوثيون استخدام المخدرات ضد خصومهم بوصفها أداة تفجير وتدمير ذاتية للخصوم .
يلاحظ تنامي الجرائم المجتمعية في مناطق سيطرة الحوثيين ، مثل قتل الأقارب ، وجرائم انتهاك الحرمات ، والاعتداءات الوحشية ، وهو ما يربطه أخصائيون نفسيون بتعاطي المقاتلين لأنواع مختلفة من الحبوب المخدرة ، التي تؤثر على التوازن العقلي والنفسي ، وتفرغ الإنسان من هويته وقيمه .
أمام التهديد الشامل المخدرات ، يرى مراقبون أن معالجة تجارة المخدرات لا يجب أن تكون ضمن دائرة مكافحة الجريمة فقط ، بل ضمن استراتيجية أمن قومي يمني شاملة ، تشمل تشديد العقوبات على المهربين والمروجين ، وإنشاء هيئة وطنية مستقلة لمكافحة المخدرات تتبع رئاسة الحكومة ، وتتمتع بصلاحيات واسعة ، وتمويل مباشر ، وتعزيز العمل الاستخباراتي والتنسيق الأمني بين كافة الأجهزة ، وإنشاء مراكز تأهيل وعلاج لضحايا الإدمان، بدعم حكومي ودولي ، ورفع الوعي المجتمعي ، وتكثيف الحملات الإعلامية والتعليمية حول مخاطر المخدرات.
ليست تجارة المخدرات لدى جماعة الحوثي مجرد وسيلة تمويل ، بل هي جزء من عقيدة التدمير الممنهج ، التي تتلاقى مع نهج أذرع إيران في لبنان وسوريا والعراق ، إنها حرب ممنهجة تستهدف المجتمعات قبل الأنظمة ، وتحاكي في أهدافها تجربة بريطانيا في إغراق الصين بالمخدرات خلال القرن التاسع عشر ، إنها حرب ضد الإنسان اليمني وضد وعيه ، وأمنه ، واستقراره ، وحين يتحول خطر تجارة المخدرات من جنائي إلى وجودي ، تصبح المواجهة حتمية ، ومسؤولية وطنية ، وعربية ، ودولية .
الحقيقة واضحة
الدغشي: باحث بدرجة خادم للمشروع الإمامي
أقذر ما وصلت إليه مليشيات الحوثيراني الارهابية
عدالة الطقوم.. وسرقة الدجاج!.. قصة قصيرة
صدور حكم قضائي يهز هيبة أمريكا ويصدم الشعب الأمريكي
أمجد خالد .. حين تصبح البدلة العسكرية غطاء لعبوة ناسفة