آخر الأخبار


الثلاثاء 22 ابريل 2025
في زاوية قصيّة من ريف تعز، تقف شجرة الغريب كأقدم حارسٍ، وأضخم شاهدٍ على العصور. شجرةٌ تجاوزت في عمرها ألفي عام، شاهدةً على مرور الزمن، وسقوط الممالك، وتعاقب البشر، وتبدُّل الوجوه والملامح واللهجات. جذعها الضخم —الذي طالما احتضن الأطفال، الرعاة، العشاق، وذكريات العابرين — كان يبدو أشبه بتمثال طبيعي نحته الزمن ليبقى شاهدًا أبدياً على صبر هذه الأرض.
لم تكن مجرد شجرة، بل كانت تراثًا طبيعيًا استثنائيًا بقت لأكثر من ألفي عام، بجذعها الضخم الذي يبلغ محيطه خمسةً وثلاثين مترًا، كأن الأرض قد نسجته خصيصًا ليحفظ أسرار القرون الغابرة، وليظل كتابًا مفتوحًا على العالم، وذاكرة حيّة، اختلطت فيها جذور الحكاية بجذور الأرض. ومن الغريب أن اسمها نفسه كان نبوءة: شجرة الغريب، وكأنها ضُربت مثل الغريب في قلب "دُبع"، نبتت وحيدة، بلا شبيه ولا رفيق، فلا في اليمن ولا في الجزيرة العربية كلها من يشبهها، شجرةٌ جمعت في اسمها ما فرّقته الجغرافيا، إذ تنتمي لعائلة أشجار الباوباب الإفريقية كما يقول علماء النبات، ومع ذلك آثرت أن تبقى غريبة على هذه الأرض، جذورها في تراب تعز، وقلبها يسرد قصص القارات وكبرياء الزمن، وهي تنظر من علٍ إلى كل شيء يزول دون أن تهتز.
ولأنها ليست شجرة عادية، فقد حرصتُ وصديقي العزيز المهندس فاروق الأثوري على أن تكون صورتها العتيقة غلافًا لكتابنا الذي وثّق الأمثال الشعبية في محافظة تعز؛ لتبقى تزيّن الغلاف، كذاكرة جماعية مكثفة لكل ما تعنيه تعز واليمن.
لقد قاومت شجرة الغريب زمنًا طويلًا، ترقُب ميلاد دول واندثار حضارات، تحدّت عواصف سبأ وقتبان وحمير، وشهدت مرور الرسوليين والأيوبيين والطاهريين، وقاومت غبار الحروب، وأهوال الجفاف، وعاندت الريح وقسوة المواسم. مرّت عليها أجيال لا تُحصى، يتفيأون ظلها، يحفرون أسماءهم على جذعها، ينسجون حولها قصص العشق، ويخبئون بين أغصانها أسرار الحياة.
سقطت "الغريب"، وانقسم جذعها الذي قاوم الرياح والسنين، فارتجّت الأرض تحت شجرة لم تكن عادية، بل شاهدة صامتة على تاريخ تعز واليمن.
سقوطها ليس مجرد حدثًا عابرًا، بل صرخة رمزية من قلب الطبيعة تخبرنا أن الأشياء والأوطان التي اعتقدناها خالدة أبدية تنهار حين تتراكم الجراح، وتهوي فجأةً عندما يخنقها الصمت ويدفنها النسيان؛ وكأنها تجسّد حال اليمن المترنّح تحت ثقل الجراح، المرهق بوطأة الحرب والدمار. فالغريب سقطت، واليمن معها لا تزال تتهادى على حافة الإنهاك.
بين طهران والرياض... اليمن
شجرة الغريب .. حين يسقط قلب الأرض
شجرة الغريب… حين ينهار الجذر وينتحب الجذع
ترامب يخلق فراغ قوة عندنا … إن لم نملأه سوف يملؤه غيرنا … والوقت يضيع