آخر الأخبار


الاربعاء 16 ابريل 2025
… ثم جاء ترامب
الإمبراطورية الأمريكية، وُلدت بعد الحرب العالمية الثانية.
الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية The General Agreement on Tariffs and Trade (GATT)— خُلقت حينها في ١٩٤٧ بغرض إنهاء الحواجز التي تعيق التجارة ودخول البضائع إلى أسواق دول العالم مثل: الجمارك أو الحصص.
أمريكا، كانت أكبر مستفيد من GATT باعتبارها أعظم اقتصاد وأعظم مستثمر في العالم بزيادة صادراتها لكل دول العالم وتخفيض أسعار السلع للمستهلك الأمريكي، وخلق قوانين ومحكمة دولية للنزاعات التجارية ( ومقرها في باريس) أعلى من القوانين المحلية والدساتير لكل دول العالم، وبهذا ضمنت أمريكا هيمنتها على دول العالم.
**
أولا: هكذا فهمت أنا العولمة
هكذا قرأت أنا قصة العولمة من مجلة طبية
هناك تخصص في كلية الطب لم أكن قد سمعت به من قبل، وهو قسم دراسات السياسات الصحية، وهو في جامعة لندن.
وأنا أعتبره من أرفع المنارات العلمية في تقنين ودراسة أفضل الطرق لتوفير الخدمات الصحية للجميع.
هذا القسم هو الذي وضع للبنك الدولي والأمم المتحدة مشروع الألفية للتنمية العالمية ورفع المستوى الصحي للدول النامية وتعليم المرأة والجنوسة.
الذي ينشر تقارير قسم الدراسات الصحية هذا هو مجلة "لانست" الطبية البريطانية The Lancet التي كنت أنا أحد قرائها النهمين المنتظمين.
من مجلة "لانست" الطبية، فهمت معنى العولمة Globalisation
خدمات الصحة المجانية في أمريكا.
الحكومة الأمريكية كانت تقدم الخدمات الصحية المجانية ل 40% من الشعب الأمريكي.
تخدم Medicare كل من تجاوز عمره 65 عاما وتخدم Medicaid كل من يتم تصنيفه فقيرا.
تلتهم هذه الخدمات الصحية معظم ميزانية أمريكا، وكانت الحكومة هي التي تقدمها بنفسها.
البنوك الاستثمارية والصحة
البنوك العظمى، كانت متضايقة من أن الفوائد على قروضها متدنية للغاية، فتطلعت في كل اتجاه للبحث عن ربح أكبر، حتى وقعت عيونها على الخدمات الصحية الحكومية الأمريكية.
ورفعت البنوك الاستثمارية شعارات أن حجم تدخل الحكومة الأمريكية في حياة الناس أكثر مما يجب في نظام اقتصادي حر، وأن هذا النظام لا يتميز بالكفاءة، وأنه يجب إسناد الخدمات الطبية إلى شركات تجارية خاصة.
عملت البنوك على أن ينجح السياسيون الذي يتبنون تخصيص خدمات الطب المجاني إلى عضوية الكونجرس.
قام الكونجرس بإصدار تشريعات خصخصة الطب المجاني الحكومي.
وحققت البنوك الاستثمارية والشركات أرباحا ونسب فائدة غير مسبوقة.
ربما يجب أن نعلق هنا بأن أسوأ نظام خدمة طبية مجانية بين الدول المتقدمة الغنية، من حيث شمول الخدمات والتغطية مقارنة بالتكاليف، هو النظام الأمريكي الذي فرضته البنوك والشركات على الحكومة الأمريكية.
ثانيا: بنوك أمريكا صانعة العولمة
البنوك الأمريكية، كررت نفس الخطة في بقية العالم.
استولت على ضبط الإيقاع داخل وزارتي التجارة والخزانة والبيت الأبيض وفرضت نفس الشيئ على كل دول العالم.
البنوك، هي صانعة العولمة.
بعد نجاح البنوك داخل أمريكا ازدادت شهيتها لتحقيق الأرباح في كل دول العالم.
البنوك الأمريكية قالت أن GATT لم تعد جيدة للتخلص من الحواجز التي تعيق حرية التجارة بين دول العالم.
وهكذا في عام 1995 تم إنشاء منظمة التجارة العالمية GTO — أو World Trade Organization
تقول WTO أن الجمارك في أي بلد يجب أن تنخفض وأن من حق أي دولة أن تستثمر شركاتها وبنوكها في أي دولة منظمة إلى عضوية المنظمة.
نعود إلى مجلة "لانست" الطبية التي كانت متضايقة من إجبار الحكومة البريطانية على السماح لشركة تجارية أمريكية بإنشاء مستشفى طبي تجاري خاص في لندن عاصمة البلد التي تقدم خدمات الطب والصحة مجانا لكل الشعب.
أمريكا، احتجت بأن الحكومة البريطانية تفرض رسوم قدرها جنيه واحد على كل روشتة دواء طبية كانوا قد أضافوها مؤخرا لتقليل سوء استعمال الأفراد للخدمة المجانية.
انتصرت أمريكا، وفتحت مستشفى تجاري في لندن.
هذا يلخص معنى العولمة.
**
ثالثا: أمريكا امبراطور العالم
**
العولمة، أصبحت هي أمريكا.
وأمريكا، أصبحت هي العولمة.
تدفقت أموال البنوك الأمريكية وشركاتها لتستثمر في كل أنحاء العالم ولتحقق أرباحا غير مسبوقة.
وتدفقت منتجات العالم بأسعار رخيصة إلى المستهلك الأمريكي.
السوق الأمريكية الاستهلاكية الضخمة، هي من أقوى أوراق الضغط الأمريكية.
وتضاعفت أهمية الدولار للعالم آلاف الأضعاف، وأصبح من معالم القوة الرئيسية لأمريكا.
وازداد الدخل القومي الأمريكي GDP بمعدلات أعلى من أي تزايد في أي مكان العالم.
كانت أمريكا، امبراطور العالم بعد الحرب العالمية الثانية بفضل القوة الناعمة والقوة المسلحة والأمر الواقع.
ثم أصبحت امبراطور العالم بفضل الدولار والاقتصاد والسوق الاستهلاكية والقبول بالعولمة.
الشيء اللافت للنظر، هو أن دول العالم كانت تتسابق للانضمام لمنظمة التجارة العالمية بالرغم من الشروط القاسية بالتخلي عن سيادتها على القضاء والمحاكم التجارية والفصل في النزاعات التجارية… وفي تشريع نسبة التعريفة الجمارك على السلع الداخلة إلى البلاد.
في اليمن
الإنضمام ل WTO كانت موضة عالمية، وحتى اليمن لم تتأخر.
أنا أتذكر أيام وجود مشرفين أمريكيين في جمارك ميناء الحديدة— في عهد الرئيس الأسبق صالح.
**
رابعا: الصين توجست من العولمة ثم تحمست
**
حاولت التملص مباشرة أو خفية من شروط الانضمام ولكنها بالتدريج تأقلمت وأصبحت أحد نجوم منظمة التجارة العالمية GTO وأكبر المنادين باحترام قوانينها وأكبر المشتكين داخلها بالمخالفات الأمريكية لقوانينها.
تحتاج الصين أن نكتب مقالا كاملا عن عظمتها.
استطاعت الصين من الخروج من مجاعات واضطرابات أيام الثورة الثقافية قبل خمسن سنة لتصبح الآن ثاني أقوى اقتصادية في العالم وثاني أقوى قوة عسكرية في العالم.
وأصبحت أمريكا تخاف من الصين التي ازدادت قوتها بفضل فتح الأسواق الأمريكية لمنتجاتها، وبفضل تدفق الاستثمارات والتكنولوجيا الأمريكية إلى الصين.
وأصبح أهم أهداف أمريكا تحطيم الاقتصاد الصيني.
وأصبحت أمريكا تعتبر أن الصين هي العدو الذي عليها أن تحاربه إن عاجلا أو آجلا.
**
رابعا: مشكلة أمريكا تصبح مشكلة العالم
**
ولايات الشرق والغرب في أمريكا*
على المحيطين الأطلنطي والباسيفيكي.
يختلطون بالعالم وبداخلها أعظم الجامعات والمعاهد العلمية ووادي السيليكون ومنارات كل العلوم والثقافة وصناعة الأفلام.
نيويورك، في الشرق، هي العاصمة البنكية والتجارية للعالم.
كاليفورنيا، بها وادي السيليكون وهوليوود.
وهم ليبراليون ويصوتون عادة للحزب الديموقراطي.
ولايات الغرب الأوسط والجنوب في أمريكا*
هذه هي ولايات ترامب.
هذه الولايات، تكره العولمة لأنها فقدت الكثير من الصناعات مثل النسيج والملابس وغيرها من الأشياء العادية للمكسيك ودول شرق آسيا والصين.
لم تستطع هذه الولايات، التأقلم مع العولمة، ولم تستطع الانتقال من مرحلة الازدهار الاقتصادي القائم على التصنيع إلى الازدهار الاقتصادي القائم على الخدمات والتكنولوجيا.
أعلى مستويات الفقر النسبية في أمريكا، هو في هذه الولايات.
النزعات الانعزالية عن العالم والتدخل في شؤون وصراعات العالم، هو في هذه الولايات.
الاستعلاء والمطالبة بعودة عظمة أمريكا MAGA، هو أكثر ما يكون في هذه الولايات.
الحزام الديني الإيڤانجليكالي المتعصب والعنصري، هو في هذه الولايات.
قوة الحزب الجمهوري المحافظ، هو في هذه الولايات.
العنصرية البيضاء وكره المهاجرين والأغراب، هو في هذه الولايات.
مليارديرات التكنولوجيا العظام، كانوا ليبراليون ويعترفون بفضل الحزب الديمقراطي أيام الرئيس كلينتون ونائبه آل جور، لكنهم نفروا من نفس الحزب أيام الرئيس بايدن بسبب الضرائب وزيادة الليبرالية والاهتمام بالفقراء.
وهكذا اجتمعت العقائدية المتحمسة والثروة المالية المتنفذة تحت قبضة ترامب.
من المفارقات، هي أن المليارديرات العلمانيون الليبراليون أنصار العولمة، أصبحوا تحت عباءة ترامب يتزابطون ويتراكلون ويلعبون الجولف مع الإيڤانجليكاليين المتزمتين ومع العنصريين الانعزاليين.
هذه العباءة المزدوجة، هي من أسباب قوة ترامب الطاغية.
الرئيس ترامب، أصبح ممثل هذه التكوينات والجماعات وكلهم يدينون له بدرجات غير مألوفة من الولاء والإخلاص.
الولايات المتأرجحة
من خمس إلى سبع ولايات، حول بحيرة ميتشيجان وفي نيڤادا.
هؤلاء يتأرجحون وتارة يصوتون للجمهوري وأخرى للديمقراطي وبهذا يقررون في الكثير من الأحوال من يفوز بالرئاسة الأمريكية.
وقد صوتوا هذه المرة لترامب.
**
خامسا: ترامب لا يفهم أمريكا ولا الاقتصاد ولا العالم
**
١- ترامب، لا يفهم أمريكا
أمريكا، قامت على المهاجرين، وعلى فصل السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية.
… وعلى احترام السلطة الرابعة التي هي حرية الحصول على المعلومات وحرية التعبير والسماح بتوليد الأفكار والآراء.
لكن ترامب، يفرض السلطة التنفيذية (التي هي ترامب) على كل ما هو سر نجاح أمريكا.
ترامب يشق أمريكا ويستقطبها إلى "مع" و "ضد" بطريقة زائدة على المعتاد.
ترامب، قد يسبب أضرارا جسيمة لأمريكا وقد يثير اضطرابات وفتن.
{{ وعلى هذا فإن ترامب لا يفهم أمريكا }}
٢- ترامب، لا يفهم في الاقتصاد
كتب ترامب يوم أمس في موقع تروث سوشيال:
"أنا أعرف بحق الجحيم ما أفعله"
“I know what the hell I’m doing”
كان قبل هذا السطر قد رفع التعريفة الجمركية على الصين إلى 104% ورفعها كثيرا أيضا على أصدقاء أمريكا في كل دول العالم وحتى على دول فقيرة وحتى على جزر نائية مغمورة.
كان قبل هذا السطر قد تسبب باندفاع الناس والشركات لبيع أصولهم وأسهمهم وممتلكاتهم بثمن رخيص وبدون أن يدروا ماذا يفعلون بالفلوس.
وتسبب باهتزاز ورعشة كل أمريكا بارتدادات وارتجاجات.
وفقدت العائلات قيمة دخلها ومدخراتها وأسهمها وسنداتها.
وهرع إليه رجال البنوك والاستثمار والمليارديرات والذين يتبرعون له في كل المناسبات.
وارتفعت انتقادات غير مسبوقة بين الموالين المخلصين الخانعين من أعضاء حزبه الجمهوري.
وتراجع ترامب بعد ساعات من كتابة ذلك المنشور في تروث سوشيال
جمد رفع التعريفة الجمركية على كل دول العالم وأبقاها على الصين.
وأصبح السطر الذي كتبه بأنه يعرف ما يفعله بدون معنى
{{ وعلى هذا فإن ترامب لا يفهم الاقتصاد}}
٣- ترامب، لا يفهم العالم
ترامب، قد يتسبب بكارثة الكساد الاقتصادي الذي تخافه أمريكا ويخافونه في كل العالم.
ترامب، قد يتسبب بحروب عسكرية كبرى بسبب الحروب التجارية وبسبب عدم احترام قواعد النظام العالمي السائد.
ترامب، فقد الثقة والاحترام وفقد أصدقاء أمريكا في كندا وأوروبا واستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها.
ترامب، تسبب بأول أخزاق في قوة التأثير والنفوذ الأمريكي.
كل دول العالم سوف تبحث من الآن فصاعدا عن طرق أخرى وترتيبات أخرى بعيدة عن أمريكا في عوالم العملة والنقد والتبادل التجاري وتبادل المنافع.
انظر إلى ما فعلته أمريكا بغيابها في زلزال ماينمار قبل أيام.
ترامب، كان قد ألغى وكالة المساعدات والتنمية الأمريكية، التي كانت تسبق كل دول العالم في الإغاثة والنجدة عند الكوارث الطبيعية.
افتقد العالم أمريكا في زلزال ماينمار وفقدها الضحايا وفقدت واشنطن تأثيرها على العالم.
{{ وعلى هذا فإن ترامب لا يفهم العالم }}
خاتمة: من اليمن
مفارقة صغيرة سددها ترامب— بدون قصد— ضد الحوثي في اليمن
عندما أغلق ترامب وكالة المساعدات الأمريكية، فإنه بهذا أغلق نشاط كل المنظمات التابعة للبنك الدولي والأمم المتحدة في صنعاء والمناطق التي تحت سيطرة الحوثيين.
هذه المنظمات تنفق أكثر من مليار دولار على الخدمات في مناطق الحوثي، وتستفيد القطط السمان الحوثية، ويستلم الموظفون الموالون للحوثيين مرتبات بالدولار، ويذهب جزء كبير من المساعدات للمجهود الحربي للحوثي.
انسحاب المنظمات الدولية من المناطق الحوثية، يلحق أضرارا جسيمة بالحوثيين قد يساوي قصف الطيران الأمريكي الذي يحدث هذه الأيام.
مافيا الوقود في اليمن
أديس أبابا... نداء الجنة من قلب إفريقيا
القمامة في تعز: بين الذكريات والحلول
عن الاعتذار اليمني للعراق
يحرقوا بقاز..