الاربعاء 16 ابريل 2025
مزاد اليمنيين: مناضلون في النهار... دلالون في الليل!
الساعة 05:25 مساءً
فتحي أبو النصر فتحي أبو النصر

في ساحة متهالكة ككرسي قديم في مقهى متهدم، يقف اليمن، يراقب المزاد. لا هو مزاد لوحات نادرة، ولا تحف أثرية. إنه مزاد "المواقف". مزاد الأحزاب السياسية، والنخب، والمثقفين، والمناضلين، والشعراء، والصحفيين. كلهم هناك، يعرضون أنفسهم، تاريخهم، مواقفهم، شعاراتهم، وحتى دموعهم التي سالت يوما على الشاشة، مقابل "عملة المرحلة".

وهكذا مرحبا بكم في سوق "الوطنية المعدلة". هنا، تُقاس القيمة بعدد اللايكات، ويُمنح الوسام لمن يصرخ بصوت أعلى لا لمن يفكر أعمق.
بمعنى أدق لا تسأل عن المبدأ، فقد علقوه على مشجب قديم وكتبوا فوقه "يُعاد تدويره عند اللزوم". النخبة؟ تقرأ لها بيانا، فتظن أنك بصدد ثورة، ثم تراها بعد ساعة في صورة جماعية مع من كانت تسميهم "القتلة". 
الصحفي؟ يصرخ صباحا ضد الاستبداد، ويأخذ راتبه مساء من أحد أركانه. 
المناضل؟ يحاضر في الشرف والنزاهة، ثم يسترزق من كل سفارة مرت عليه. 
والشاعر؟ يبكي على الورق، ويبتسم في حفلة تمويل مشبوه.

على إنه المزاد، يا عزيزي، مزاد بلا خجل. كل شيء معروض: الوطنية، الأخلاق، حتى الذكريات الثورية. من يدفع أكثر؟ من يلوح بجواز سفر دبلوماسي؟ من يمنح إقامة ذهبية؟ من يعد بمنصب بعد "الحل السياسي الشامل"؟ كلهم زبائن محتملون.

أما الشعب، فهو خارج القاعة. يقف تحت المطر، أو في طوابير الغاز، يقرأ الأخبار مثل من يشاهد مسرحية هزلية، ويضحك—لكن بمرارة. 
هذا الشعب الطيب، الذي صدق الشعارات، وهتف في المسيرات، وأرسل أبناءه إلى الجبهات، يُكافأ اليوم بالخذلان، ويُعامل كصوت غير مرغوب فيه في حفلة الصفوة.

فيا أيها المثقف اليمني الكبير... هل لك أن تشرح لنا كيف تحول "الضمير الوطني" إلى "عرض خاص حتى نفاد الكمية"؟ وأنت أيها الحزب الثوري، الجمهوري، هل من تفسير مقنع لتحولك من "الطليعة" إلى "الملحق الثقافي" في بلاط السيد؟ 
والسؤال أيتها الصحافة الحرة، لماذا ارتديتِ عباءة "الحياد المسموم"؟ وأنتِ أيتها القصيدة، أما زلتِ تحتفظين بشيء من الحياء الوطني ؟
صدقوني نحن في زمن صار فيه الموقف سلعة، والمبدأ قابل للتفاوض، والحقيقة مؤجلة حتى إشعار آخر. زمن يربت فيه السفاح على كتف المثقف، ويمول القاتلُ الصحفي، وتُمنح جائزة الصحافة لـ"كاتب بيان تسوية"!

لكن لا تيأسوا. فالتاريخ لا ينسى، وذاكرة الناس ليست هشة كما يتوهم الدلالون في هذا المزاد. 
نعم سيأتي يوم، تُنشر فيه القوائم، وتُرفع فيه الأسماء لا بالأوسمة بل بالخزي. يومٌ يُسأل فيه كل من باع، لماذا فعلت؟ وكل من سكت، لماذا صمتّ؟

أما نحن، فسنكتب. سنسخر ونغضب ونحزن، لكننا لن نبيع. لأن الكلمة التي لا تُشترى، تبقى. ولأن الشرف، إن كان أصيلا، لا يدخل المزاد.

 


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار