الخميس 29 مايو 2025
ماذا يعني فقدان طائرة نقل مدنية؟
الساعة 01:49 مساءً
مصطفى الجبزي مصطفى الجبزي

في عالم الطيران، وكذلك الحال في البنوك أو الطبابة، يُقاس توفر الخدمة المقدّمة بعدد السكان. فكما نقيس "البنكنة" — أي توفر النظام المصرفي — بعدد البنوك أو أجهزة الصراف الآلي مقارنة بعدد السكان، ونقيس توفر الخدمة الصحية بعدد الأطباء المتخصصين لكل ألف مواطن، نقيس كذلك توفر خدمة قطاع الطيران بعدد الطائرات المتوفرة مقارنة بعدد السكان.

كان لدى اليمن، حتى قبل شهر فقط، 7 طائرات مدنية تخدم أكثر من 35 مليون مواطن، أي بمعدل طائرة واحدة لكل 5 ملايين شخص. هذا رقم مرعب، ويمثّل مؤشراً واضحاً على فشل ذريع في تقديم خدمات النقل الجوي.

ربما كان الوضع أقل سوءًا قبل الحرب، حين كانت تعمل في البلاد نحو 37 شركة طيران، منها 11 شركة نقل تجاري منتظم عبر المطارات اليمنية، وخصوصًا مطار صنعاء.

ففي عام 2013، وبحسب بيانات هيئة الطيران، شهدت المطارات اليمنية أكثر من 36 ألف حركة طيران (إقلاع وهبوط)، بمتوسط 400 رحلة أسبوعيًا. أما اليوم، فلم يتبقَ سوى نحو 40 رحلة أسبوعيًا، بعد أن غادرت كل شركات الطيران الدولية، وأُحكم الحصار على الأجواء اليمنية.

الآن، لم يتبقَ لدينا سوى ثلاث طائرات مدنية فقط. أي طائرة واحدة لكل 11 مليون يمني!

هذه ليست أرقامًا مجردة، بل تعكس خسائر كارثية في الخدمات والفرص والأرواح. فالبلاد محاصرة من وسائل التنقل، مما يعني تقييد حركة الناس وفرصهم في العلاج والعمل والتعليم والحياة نفسها. والواقع أن معظم من يسافرون اليوم، يفعلون ذلك بحثًا عن العلاج، مما يجعل خطر فقدانهم للحياة أعلى بكثير نتيجة التأخر أو الاستحالة في الوصول إلى وجهاتهم الطبية.

فلماذا يحدث هذا؟ ولماذا يُفرض هذا العزل القاسي على شعب بأكمله؟

فبدلًا من أن يُفتح مطار صنعاء وتعيد الحكومة طائرات "اليمنية" الأربع من قبضة الحوثي، بحجة "الحصار"، أراد الحوثي أن يكون الحصار على يديه، وأن يكون هو من يغلق مطار صنعاء ويقضي عليه.

لكن السؤال: كيف فقدنا خلال شهر أربع طائرات؟

أين كان عقل العاملين في قطاع التخطيط في شركة طيران يُفترض أنها تعمل وفق معايير أمان عالمية واشتراطات تأمين صارمة؟

هذا إذا افترضنا — جدلًا — أن شركة "اليمنية" شركة محايدة لا تخضع إلا لمعايير الربح والخسارة، ومعايير إنسانية كما يزعمون.

تتحمل دائرة التخطيط والتشغيل في شركة "اليمنية" مسؤولية التفريط بهذه الطائرات.

فالمطار لم يكن صالحًا للعمل، ولا يتمتع بدرجة الأمان التي تسمح بإرسال طائرة إليه.

ما أخشاه هو أن الكارثة ستتطور أكثر، حتى القضاء التام على طائرات النقل المدني في اليمن؛ بعد العيد، ستبعث الحكومة المبجلة ما تبقى من طائرات في عدن إلى الحوثي، بحجة نقل الحجاج.

كان لدينا امتياز بسيط، وهو أننا — رغم كل هذا الدمار — ما زلنا نملك ناقلًا وطنيًا يربط اليمنيين بالعالم.

لكن يبدو أننا سنعود إلى حيث كان الإمام، وحده لديه طيران، ننتقل نحن عبر الحمير والدواب… هذا إن سمح الحوثي.


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار