آخر الأخبار


الأحد 15 يونيو 2025
في خريف ١٩٧٩ نجحت الثورة الإيرانية وعاد الخميني من باريس في مشهد يسلب الألباب. وعلى الفور أرسل الإخوان المسلمون وفداً عالي المستوى للقاء الخميني، وباركت السعودية النصر على حذر. الفلسطينيون احتفوا باللحظة الرهيبة تلك وصدرت عن "أبو عمار" ابتسامة العمر وهو يقول أمام الكاميرات: هذا النصر سيقلب كل شيء في المنطقة Upside down، أي رأساً على عقب. قالها بالإنجليزية. المصريون لم يكونوا أقل بهجة، حتى إن النشوة أخذت فصيلاً منهم ليطلق النار على السادات. فقد عجز السادات أن يكون بطلاً مسلماً على طريقة الخميني! بارك الخميني ذلك الاغتيال ووضع اسم القاتل على ناصية واحد من شوارع طهران.
لم تنته اليوفوريا الفلسطينية عند ابتسامة "أبو عمار". فقد تسابق اليمين واليسار الفلسطيني إلى مديح الثورة وتلقي وعودها. في مصر كتب طالب الطب "فتحي الشقاقي" كتابه الشهير "الخميني"، مقدما "الإمام" كهدية سماوية قل لها نظير. ثم سيعود الشقاقي إلى الأراضي المحتلة ليؤسس حركة الجهاد الإسلامي مع آخرين.
من أجل المزيد من الهياج الشعبوي أمر الخميني باقتحام السفارة الأميركية في طهران واحتجاز الموظفين رهائن. قدم الفعل بحسبانه معركة ناجحة ضد الاستكبار والإمبريالية. من المغرب إلى لبنان ابتهج العرب بالشجاعة الإمامية التي لم يشهدوا مثلها من قبل. آنذاك قال بريجنسكي، رجل كارتر الذكي ومستشاره: ما يحدث في طهران خبر سيء للعرب.
سرعان ما حدثت انتفاضة شيعية في شرق السعودية، بالكاد استطاعت حكومة الملك خالد احتواءها. انفجرت الحرب العراقية الإيرانية وبدأت رحلة طويلة من التوابيت "العربية" منذ ذلك الحين، ولن تتوقف عند استشهاد المخرج اليمني - الهولندي مصعب الحطامي بضربة من مسيرة إيرانية قبل أسابيع. عاد الراحل من هولندا ليصنع فيلماً قصيراً فاصطادته مسيرات الإمام.
فعلت إيران باليمن - على سبيل المثال- ما لم تفعله به أمة من قبل. كما ذهب رجال الثورة الإسلامية إلى سوريا ليهاجموا شعبها (السني) ب ٢٥٠ غارة كيماوية. وعندما عجزت عن نقل السلاح إلى المدن الخليجية قامت بإغراقها بالكابتاغون. زلزلت إيران المنطقة برمتها.
معركتها مع إسرائيل تقوم على قواعد أخرى بعضها كهنوتي وبعضها جيوسياسي، وفي كل الأحوال فالمسألة العربية ليست أحد العناصر المحددة للصراع. التقرير الذي نشرته واشنطن بوست قبل أشهر قال إن ٨٥% من السلاح الفلسطيني من صناعة محلية لا علاقة لإيران بهاد. وتقول تقارير أممية عديدة إن ما يزيد عن ٨٠% من أسلحة الحوثي التي يستخدمها في حربه مع اليمنيين إيرانية الصنع. ليست مفارقة، فهي تجري في أفق التوقعات.
سرعان ما انهار الحماس الأخلاقي لثورة الخميني، واحتشد العرب في المجالس ليشاهدوا "فيديوهات" النصر العراقي ضد جيوش الخميني، ووجد "أبو عمار" مكاناً في بغداد لا في طهران.
في العام ٢٠٠٦ هلل العرب لنصر الله، ورفعت صوره، وقدم بحسبانه بطل الحرب الوجودية مع العدو. غير أن الحرب السورية
عرضت وجهاً فاشياً لبطل الإسلام، ولحية لا تعرف للرحمة سبيلاً. لا تزال جرائمه في سوريا خضراء الدم. وفي اليمن قاد رجال نصرالله، القادمون من لبنان ومن أماكن أخرى في المحور، معارك داخلية مدمرة لم تسثن مسجدا ولا قرية ولا مدرسة. من نتائجها تهجير ما يزيد عن ثلث السكان، وتقويض اليمن إلى دويلات ومستعمرات.
حدث هذا بعد أقل من عقد من الزمن على "النصر الإلهي" ضد إسرائيل.
هذه المعركة حدثت من قبل أكثر من مرة. وقليلٌ من أخذ العظة من الماضي.
من جاريةٍ في اليمن إلى صواريخَ في عمق طهران؟
من يدري؟
عن دروس الاشتباك الإيراني الاسرائيلي
هل سنشهد هذا السيناريو ؟