آخر الأخبار


الأحد 1 يونيو 2025
جتاحني شعور عارم بالحزن حين أعتذر زميلي في السكن الأستاذ حسن عن خروجي معهم في نزهتهم المسائية قائلا:
_ لو سمحت يا أستاذ محمد أنت ستبقى بالسكن حتى نعود من جولة المشي اليومية التي تعودنا عليها.
وأضاف:
_ لا ينبغي أن نترك السكن بلا أحد فالاحتياط واجب.
كنت قد لبست وتجهزت مثلهم لكن من الواضح أنهم لا يريدونني أن أخرج معهم.!
أبتسمت وتظاهرت أمامهم أن الأمر عادي جدا لكنني في الحقيقة كنت أغلي من الغيظ الذي يحرق قلبي.
فتحت الراديو ثم أغلقته، حاولت القراءة فلم أستطع، بقيت أذرع المكان جيئة وذهابا وأضرب كفا بكف وأفكر فيما يحدث.
لقد تزايدت شكوكي حول خروجهم اليومي، فمنذ أن وصلت إلى هذه القرية للتدريس وشاركتهم السكن وهم يخرجون كل مساء بعد العصر ويعودون قبيل المغرب.
فور عودتهم يبدأون بإخراج رزم صغيرة من النقود ويرتبونها ويعدونها ثم يفرغون أكياسهم المليئة بعلب السمن والعسل والعطور، يفرغون الأشياء في حقائبهم ويغلقون عليها وفي وجوههم ابتسامة رضى بينما أرقب الموقف بصمت ولا أفهم شيئا مما يحدث.!
يبدو أنهم يقومون بزيارات إلى منازل المواطنين الذين يقدمون لهم الهدايا بكل كرم، ولا يريدون خروجي معهم ومشاركتهم.
وحاصرتني أسئلة أبحث لها عن إجابة:
_ من الذي يعطيهم هذه الهدايا والنقود كل يوم؟!
_ لماذا هذه الهدايا هي نفسها كل يوم؟!
_ هل يذهبون كل يوم إلى قرية مختلفة ويطلبون هذه الأشياء بشكل أو بآخر؟!
_ وإذا كانوا يعطونهم السمن والعسل والعطور فلماذا يعطونهم النقود؟!
في يوم الخميس آخر الشهر سافر الأستاذ حسن ليزور قريته وليأتي برواتبنا من المركز التعليمي فأحسست بالإرتياح حين بقي معي الأستاذ إبراهيم وقلت في نفسي:
_ فرصتي سأعرف الحقيقة..
بعد العصر تجهزت لأخرج معه فإذا به يكرر علي نفس ما قاله حسن:
_ أنت يا أستاذ محمد يجب أن تبقى في السكن.
عجيييب.!
ونحن نتناول العشاء سألته فجأة:
_ أستاذ إبراهيم أين تخرجون كل يوم؟!
فوجئ بسؤالي فتوقف عن الأكل وأرتبك ثم تلفت حوله قائلا:
_ سأقول لك لكن هذا السر أرجو أن يظل بيني وبينك ولا يعرفه الأستاذ حسن.
_ قل وسرك في بير.
_ نحن نذهب لنعطي دروس تقوية لبعض الطلاب وأهاليهم يعطوننا هدايا مقابل الدروس الخصوصية.
_ كل يوم هدايا؟!
_ لديهم مواشي كثيرة ومناحل عسل وهم كرام ونحن لم نقصر مع أولادهم.
هززت رأسي متظاهرا بأنني أقتنعت لكنني لم أقتنع بما قاله، ولم تهدأ شكوكي وتسكن أسئلتي، مؤكد هناك سر ولابد أن أعرفه لتستربح نفسي.
أخرجت أحد الكتب لأحضر منه خطبة الجمعة.
كتاب يحذر من الشرك والتبرك بالقبور والقباب والاستغاثة بالأولياء الموتى.
وحين رأى الأستاذ إبراهيم عنوان الكتاب توقف عن شرب الشاي وصاح في:
_ ما هذا يا أستاذ محمد؟
_ كتاب سأجهز منه خطبة الجمعة.
_ انتبه تسبب لنا فتنة في هذه القرية وتفعل كما فعل الأستاذ عبد السلام.
_ يا لطيف ماذا فعل ؟!
_ ذهب وخطب الجمعة عن الأولياء والصالحين المباركين وأن الاستغاثة بهم شرك لا يجوز وحذرهم من التبرك بالأولياء، والناس هنا صوفية يقدسون الأولياء فثاروا عليه، وكادت تنشب معركة داخل المسجد.
وأضاف:
_ المهم تدخل العقلاء وهدأت الفتنة برحيله من القرية وجئت أنت للتدريس مكانه.
قلت له وقد عدت للتفكير:
_ لكن لا يجوز السكوت على ما يحدث.
هز رأسه موافقا ثم أقترح علي أن أوعي الناس وأنصحهم بشكل تدريجي انفرادي، وبأسلوب هادىء بعد أن يعرفوني ويطمئنون إلي.
_ فعلا معه حق. قلت لنفسي.
بعد أيام حين عاد الأستاذ حسن أختفى ذلك الكتاب تماما.
واقنعت نفسي بأن لديهم عقدة من الحديث في الموضوع ويخافون أن أثير مشكلة كما فعل زميلنا السابق ولذا أخفوا الكتاب.
وعادوا لخروجهم المسائي والعودة بالهدايا وكدت أقول لهم:
_ أخرجوني معكم والهدايا لكم.
لقد مللت من بقائي لوحدي في السكن لكني تماسكت فلم يبق لمنتصف العام الدراسي الا أياما قلائل وسأذهب إلى قريتي وأغير جو لمدة أسبوعين.
في بداية النصف الثاني من العام الدراسي عاد إلي الملل وأنا أبقى وحيدا في السكن فقررت أن أخرج للنزهة لوحدي، سأذهب إلى أي مكان حتى لو أصعد تلك التلال وأرى القرى التي خلفها، المهم أن لا أبقى وحيدا.
خرجت أتمشى، صعدت بعض التلال أمشى ولا أدري إلى أين سأصل ؟!
رأيت رعاة بأغنامهم، فتيات يقطعن بعض الأشجار ويجمعن حزم الحطب، تهامسن وهن ينظرن نحوي، مضيت بعيدا غير عابىء بهمساتهن.
الشمس بدأت تنحني للمغيب وتبرد أشعتها وأنا أصعد أعلى تلة كنت أراها من المدرسة، العرق يتصبب مني ونسمات هواء باردة تداعب وجهي والقرى تنبسط أمام نظري حتى الأفق البعيد.
حين وصلت القمة شعرت بسعادة غامرة كأنني مغامرة وصل أعلى قمة ايفرست، لقد انتصرت على العجز وهزمت الملل، أنظر في كل الاتجاهات فأجد قرى ومزارع وحياة من كل لون.
نظرت إلى تلك الناحية حيث تبدو قباب الولي خير الدين فلم أصدق ما أرى
لقد وجدت الأستاذ حسن والأستاذ إبراهيم يجلسان بجوارها، وتساءلت:
_ لماذا لم يذهبا لأداء الدروس الخصوصية؟!
_ يبدو أنهم ملوا فقرروا التنزه هذا اليوم.
بقيت لنصف ساعة أنظر وأتأمل ثم عدت إلى السكن.
المفاجأة أنهم عادوا بأكياسهم مليئة بالهدايا ككل مرة.!
_ عجييب.!
لم أسألهم.
في مساء اليوم التالي عدت للتنزه وما إن وصلت إلى قمة ذلك التل حتى فوجئت بزملائي يجلسون بجوار قباب خير الدين.!
وثارت شكوكي من جديد وعادت الأسئلة تحاصرني باحثة عن إجابة.
_ هل أذهب إليهم وأرى ما يفعلون أم أتجاهل الأمر حفاظا على مشاعرهم؟!
وتذكرت تحذيرهم لي من تحذير الناس من الشرك والتبرك بالقبور والقباب واختفاء الكتاب بشكل غامض فزاد قلقي وتوتري.
في اليوم الثالث تتبعتهم على مهل حتى وصلوا القباب. وهناك هالني ما رأيت وصدمني، لقد أخرجوا أكياسهم وبدأوا يمدون أيديهم من نوافذ القباب إلى الداخل ويخرجون تلك الأشياء، علب سمن وعسل وشموع ونقود.!
أخيرا: لقد وجدت الإجابة التي بحثت عنها طويلا.!
الحاج اليمني في مكة والمدينة .
المكاشفة والاستجابة ، حينما تصنعان لحظة تحول فارقة (نماذج تاريخية)
تهديد مطار عدن: جرس إنذار واضح لليمنيين ودول الخليج
صناعة الأعداء.. وسيلة الحوثيراني للهروب من الهزيمة
اليمن: دولة تتسول المساعدات وساسة يتقاسمون الغنائم
هل أخطأ الرئيس العليمي؟