السبت 5 يوليو 2025
جراد الإمام (1-2)!
الساعة 11:57 مساءً
توفيق السامعي توفيق السامعي

قرأت وبحثت كثيراً في تاريخ الإمامة؛ قديماً وحديثاً، وعلى الرغم من أن كل تاريخهم كان سَلبياً لا يمكن أن تجد فيه صورة إيجابية واحدة؛ فقد كان إجراماً على إجرام، وظلمات بعضها فوق بعض. لم يدخروا وسعاً ولا جهداً في التفنن لإيذاء اليمنيين ومعاقبتهم ونهبهم وإذلالهم واستعبادهم عبر التاريخ، إلا أن أسوأ ما وجدت من أساليب العقاب لديهم وما كان يثير الرعب والخوف في قلوب اليمنيين وصارت متلازمة وفوبيا معهم عبر تاريخهم الطويل، حتى بعد قيام الجمهورية وإلى عصرنا الراهن، هو الصورة التالية من العقاب؛ حينما كان يتم إرسال الجنود العابثين أو من يقيم لهم الأثمان والمسوح وغيرها، وفِرَق تسمى (الخُطّاط) تأخذ كل ما في أيدي المواطنين مما يسمى (المُقَرَّر) أو (الأجرة) أو(الضيفة) أو (الطواف) أو (المسوح) أو (حق التنفيذ) أو (السِّبار)، هذا في الحالة العادية وقت الجبايات السنوية، وكانوا يفتعلون القضايا لنهب أموال الناس والعيش الرغيد على حساب أموالهم، أما في حالة التمرد والعصيان فإن كل البنود العقابية السابقة وفوقها مثلها أضعافاً مضاعفة تطبق عليهم، ويرسل عليهم كتائب الجند ويسميهم (مجاهدين) فلا يتركون البلاد التي يطأونها إلا وقد أحدثوا فيها المجاعات واستنزفوا كل أموالهم وأثاثهم وحيواناتهم وأحياناً مصادرة بيوتهم وأراضيهم.

 

أحياناً تأتي مواسم الزراعة مع وجود مواسم الجراد أيضاً التي تأكل كل شيء، وتبقي أصحاب البلاد جوعى ويهلكون من المجاعات دون تقديم أية مساعدات لهم من دول الأئمة، وفوق كل ذلك يتم فرض عليهم الزكوات والرسوم المالية المختلفة من قبل الإمامة، ولما لم يجدوا معهم ما يسدون به رمقهم ولا المقرر عليهم تؤجل عليهم للسنة اللاحقة فيتم مقاضاتها، ولئن كانت الجراد تأتي فقط على المحاصيل الزراعية فإن جراد الإمامة تأتي على المحاصيل والبيوت والأبقار والماعز والضأن والدجاج والبيض وحتى مصادرة الأراضي والبيوت والمتاع والأثاث كما يفعل الحوثة اليوم تماماً؛ وبالتالي فهم جراد أسوأ من الجراد بآلاف المرات!

 

يُجرِّد الإمام عساكره وجباته ومساحيه وخُطاطه على المناطق، وخاصة اليمن الأسفل، فيأتون على كل شيء تقع عليه أيديهم وأعينهم، بحق أو بغير وجه حق، ومعظم الأوقات بغير وجه حق، من ثمار ومواشٍ وأراضٍ وأموال وحتى البيوت يصادرونها ويحلون محل أهلها، ومن لا يصادروها يقومون بهدمها أو إحراقها، ولا يعدمون المبرر ولا الحجة؛ فالمواطنون عندهم إما (كفار تأويل) أو (كفار إلزام) أو (إخوان اليهود والنصارى)، كما يقول الحوثة اليوم تماماً.

 

وبحسب علي الحوري؛ أحد الثوار اليمنيين، الذي دون بعضاً من هذه المظاهر فقد "كان المواطن اليمني يعيش حالة رعب دائمة، وضيقاً وذلاً، وكان ما إن يصل إليه عسكري حتى تقوم القيامة؛ حيث كان هذا العسكري يطلب من المواطن المقصود قبل دخوله بيته كفاية مكونة من كبش وعسل وسمن وذرة بيضاء وبُرٍ وقات، وكان يجلس يومين عنده. وفي اليوم التالي يصل إلى الحاكم الذي يبادره بالسؤال: هل أكفيت العسكري؟ وهل سلمت أجرته؟ إن كانت الإجابة نعم، كان بها، وإلا ساقوه ذليلاً إلى الحبس. وفي الحبس يطالبونه بالسواقة؛ رسوم قيود حتى يسلم جميع ما طلب منه"!

 

رسوم "السواقة" هذه من أشد الصور نكالاً وذلاً ونهباً وبؤساً، وهي أن يعطي السجين المعتقل المساق بالحديد والنار وبالقيود والجنازير والأثقال يعطي من يسوقه بالكرباج والعصا كالعبد مالاً ورسوماً مقابل هذا الاستعباد، وياللهول!!

هل يستطيع عقل بشري أن يستوعب معنى وصورة هذا الأمر وهذه الحال؟!

 

كانت هذه صورة مخففة للغاية من الصور اللاحقة الأشد قتامة وإجراماً؛ حيث 

يذكر العقيد علي الحوري، وكذلك اللواء عبدالله جزيلان، أن هذه المطالب ما تزال إلى عهدهم قبل اندلاع ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، ويقول: "كان المواطن يعاني من الطواف والمسوح، ويقومون بفرق كفايتهم (ذباحة، قات، غرامة مكلفة)، وبعد الفراغ من طواف الأموال كانوا يفرضون أجورهم على المواطنين، ومن لم يكن بمقدوره تسليم ما طلب منه كانوا يفرضون عليه تقديم نصف المحصول من الغلة، أو ربعها، أو أكثر من ذلك، تبعاً للقيمة المطلوبة منه، أو القيمة إلى صندوق الدولة، ويأخذ سنداً رسمياً بذلك. وإذا تظلم يقال له: قد تأسست باسم ابدال؛ سواء زرعت البلاد أم لا!

 

ويأتي مرة أخرى مرشد للصلاة ويخرج من العزلة، بعد أخذ أجرته وغرامته، فكان المواطن يسأل المرشد: كم أركان الصلاة؟ فيجيبه الأخير: "ستة بقش"!! 

 

وبعدها يصل مأمور الرُّباح ليتسلم أجوره، وكذلك مأمور الزواج ليتسلم كفايته وأجرته بعد أن يقوم بإجبار البنين والبنات على الزواج. ثم يصل مأمور يقرر عدد أنفس الفطرة ويأخذ أجرته، وكذلك مأمور البقر والضأن والماعز والإبل، ومأمور زكاة الباطن، وكل هؤلاء يأخذون الأجرة والكفاية، وكانوا يرسلون من أربعة إلى خمسة جنود من العامل [الوالي] والحاكم ومدير المركز وأمير المفرزة لشكوى مواطن واحد ولجلبه"! 

 

هذه الصورة والحالة كانت أيضاً مفروضة من قبل الأئمة الأولين منذ عهد الرسي وكرستها الدولة القاسمية وخاصة أيام المتوكل إسماعيل حينما توسع في اليمن، وينقل عنه ابن أخيه المؤرخ يحيى بن الحسين صورة بائسة للغاية لهذه الجباية، فيقول عن أحداث سنة (1085ه‍/1674م) بأن الضرائب المفروضة على اليمن الأسفل من غير الزكاة، وزكاة الفطر قد تضاعفت منها: "مطلبة التتن لمن شربه أو لم يشربه، مطلبة الصلاة لمن صلى أو لم يصل، ومنها مطلبة الرباح، ومنها مطلبة البارود والرصاص، ومنها مطلبة سفرة الوالي، ومنها مطلبة دار الضرب، ومنها ضيفة العيدين والمعونة … ولم يكن في اليمن الأعلى من هذه المطالب، إلاَّ مطلبة ضيفة العيدين والمعونة".

هذه الرسوم مرعية ومسنودة من قبل الحاكم كقانون مكفول في تشريعاتهم وأعرافهم!

 

كانت هذه الحالة أكثر ما تمثل رعباً لليمنيين؛ فقد كانت من أكبر أسباب المجاعات التي تحصل في اليمن وتفني ثلثي الشعب أو نصفه، التي عرفت خاصة في عهد الإمامة دون غيرها من الدول التي حكمت اليمن عبر التاريخ، إلى درجة أنهم كانوا يتركون أوطانهم ويتشتتون في الأرض إلى القرن الأفريقي أو إلى مصر أو مكة والمدينة وإلى العراق والشام، ومنهم من هاجر بعيداً إلى شرق آسيا وغيرها من البلدان أن.

 

وقد كان شرط وتسليم سنحان وجمهرتها بعد حصار السبعين أن لا يتم التنفيذ عليهم بإطلاق هؤلاء الجباة والمساحين وغيرهم إلى البلاد مقابل إعلان ولائهم للجمهورية وترك الإمامة.

 

ومن أكبر المصائب على اليمن، حتى في عهد الجمهورية، أن بعض هذه الرسوم والمعاملات تتم إلى اليوم حتى كتابة هذا المقال، ولم يتم التخلص منها رغم جمهرة اليمن!!

 

أما الأستاذ النعمان فكان أكثر من صور تلك المأساة على اليمنيين من قبل الإمامة، فيقول: "كانوا يذهبون إلى بيوت الفلاحين؛ يعيشون ضيوفاً على الفلاحين، ثم يطالبون هؤلاء الفلاحين بأن يطعموهم مما يتمنى الفلاح أن يأكله ولو مرة واحدة في السنة، يفرض عليه تغذيتهم بالدجاج والبيض، ويضربونهم ضرباً عنيفاً إذا امتنعوا... 

كانوا يجلسون عند الفلاح حتى يذهب إلى ويسدد مكالب الحكومة، ثم يأتي بوصل يعترف له بأنه سدد ما عليه، عندئذ يذهب الجنود من عنده..".

 

يضيف النعمان: "إذا تمرد الفلاح أو خالف ترسل مجموعة من الجنود ليتسلطوا على القرية بكاملها، وليعيشوا في القرية على نفقة الفلاحين.

 

 كانت جميع القرى المجاورة مجبرة على تحضير الطعام وتقديمه للجنود إلى المركز الموجود في القرية، أو يبقى الجنود في بيوت الفلاحين يعيشون على نفقة هؤلاء الفلاحين، بينما وظيفتهم حفظ الأمن وجمع الزكاة، وترسل الأموال التي كانت تجمع من البيوت بواسطة الجنود إلى خزانة الإمام لأنها زكاة المسلمين، وعليهم أن يؤدوها إلى إمام المسلمين ليصرفها في المصارف التي شرعها الله؛ إذ لا أحد أقدر على صرف هذه المصارف ولا أحد أدرى بالحاجات من الإمام؛ فهو الأولى بأن تساق إليه الأموال، فكانت الأموال تساق من أنحاء اليمن بهذا الأسلوب وعلى هذا الشكل.

 

 ويتوزع حكام الإمام ونوابه أيضاً لممارسة الرشوة والاختلاس. كانت الرشوة موجودة وشائعة؛ لأن المرتب بسيط، وكل مسؤول يريد أن يضمن مستقبله ويبني له منزلاً في صنعاء. بدأ الإنسان يتألم من هذه الصور الظالمة في ممارسة الحكم. لم يخطر ببالنا الإمام. كنا نشاهد كل شيء يقترفه العمال والحكام ويستفيدون منه، وبقينا على هذه النظرة إلى أن أتى الإنكليز".

 

على ذكر بناء منازل في صنعاء لهؤلاء العكفة، فقد أدركت أحد هؤلاء العسكر الإمامية الجباة؛ ذلك العسكري الشائب الذي رفض أذاني للصلاة في معسكر الفرقة كوني لم أذكر "حي على خير العمل" في الأذان، فقام بإعادة الأذان!

قال لي عن هذا الأمر: "كنا نغترب في الحجرية ونتنفذ على المواطنين فبنينا منازلنا وكونا أموالنا من تلك التنافيذ. كان الذي يجي نصيبه في الحجرية أعظم من الذين يغتربون اليوم في الخليج ونعوج بالأموال الكثيرة"!

....يتبع


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار