آخر الأخبار


الاثنين 26 مايو 2025
يقول المسلمون إن ربهم رحمن رحيم، لكنهم عبر تاريخهم خاضوا حروبًا دنيوية حشدوا لها من التعبئة الدينية والدنيوية ما يكفي، ولم يترددوا في إضفاء الشرعية الدينية عليها.
وفي عمق الجدالات العقائدية بين التيارات والمذاهب الإسلامية حول صفات الله، كثيرًا ما دار النقاش حول صفة العدل الإلهي، بل وصل الأمر إلى حد التنازع والاقتتال بسبب هذا الخلاف.
وهنا تتسع المسافة بين "الربّ المتصوَّر" في العقيدة، وبين الأفعال التي يُبررها الناس باسم هذا الرب، إلى درجة صادمة؛ حتى أن أحد الكتّاب اليمنيين وصف رب المسلمين، كما يظهر في المخيال الجمعي، بأنه "تاجر جشع" أو "إله متوحش"، مشيرًا بذلك إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة أو جماعات الإسلام السياسي.
وقد عقد هذا الكاتب مقارنة بين هذا التصور للرب في الإسلام برمته ، وبين صورة "الرب الفلسفي" في الفكر اليوناني اقتصادا على أرسطو او الطبيعيين والتشديد على العقل ، الذي اختزله في كثير من الأحيان ضمن فلسفة عقلانية صارمة.
لكن، بالعودة إلى تطور الأمر في الحضارة الإسلامية هل هذه المسافة بين التصور الإلهي والسلوك الإنساني خاصة بالمسلمين فقط؟ أم أنها موجودة أيضًا في الفكر الفلسفي اليوناني؟
أكتب هذا النص لأنني ضقتُ ذرعًا بالتدليس الفكري الممارس من طرف بعض "العقلانيين"، القائم على التكرار، والانتقاء، والمغالطات التاريخية والذهنية التي لم تعد تطاق، رغم أنها قد تناسب شريحة من الناس ممن يسوقهم غضبهم قبل عقولهم، أو كسلهم فيبحثون عن إداناتٍ مسبقة ووجبات ومقولات معلبة -يتصورنها منزوعة من سياق صراعي -، أو ميلهم إلى جلد الذات باسم "النقد الحضاري"، في حين أن الأمر أعمق وأعقد من ذلك بكثير.
في منشور سابق تناولت فيه ما كتبه حسين الوادعي في منشور لاقى، كما هو معتاد، رواجًا كبيرًا دون تمحيص أو مناقشة، وتحدثتُ عن الربوبية في الفلسفة اليونانية، وبيّنت أنه لا يوجد تصور واحد أو لون موحد، بل هناك تنوع يمتد بامتداد تاريخ الفلسفة الإغريقية.
غير أن هناك حالة ملفتة تستحق التوقف عندها، خصوصًا حين نتحدث عن الحروب والوحشية، وعن المسافة بين التصور العقلاني للرب وسلوك الأفراد في الواقع. وهذه الحالة تكشف بطلان الاستدلال الذي أقامه الوادعي.
لنأخذ مثال الإسكندر المقدوني: لقد تتلمذ على يد أرسطو، وهو فيلسوف عقلاني، كان تصوره للرب أنه رب عقلاني، كامل، أزلي. لكن سرعان ما افترق طريق الإسكندر عن أستاذه، وإن اعتبرنا هذا الافتراق فكريًا أيضًا، فإن الفيلسوف الآخر الذي رافق الإسكندر في حروبه حتى الهند، وهو كاليسثينيس، كان هو الآخر مفكرًا ومؤرخًا وأديبًا عقلانيًا، ينتمي فكريًا وأسريًا إلى تراث أرسطو. ومع ذلك، لم تمنع هذه العقلانية، ولا صورة الرب العقلاني، من أن يخوض الإسكندر حروبًا توسعية دموية، تشتمل على القتل والتدمير والخراب.
لم يتوقف الإسكندر المقدوني عند خوض الحروب فقط، وهو ربيب الفلسفة العقلانية، بل حدا به الأمر إلى أن يتماهى مع الأفكار الحضارية القادمة من البلدان التي غزاها كالفارسية، وشرع في فرض طقوس تعظيم لذاته، سنّ من خلالها ممارسات تجعله "ملكًا-إلهًا"، وذهب أبعد من ذلك في توسيع صورته المقدسة، حتى بات يطلب أن يُعامل كإله. وكانت هذه واحدة من أوجه الخلاف مع مؤرخه وفيلسوفه الذي لازمه في حملاته.
فهل منع الربّ العقلاني المتصوَّر الإسكندر من أن يكون وحشيًا؟ هل حالت الفلسفة دون الحروب؟ أم أن هذه المفارقة بين الربّ المتخيَّل وسلوك الإنسان باقية في كل زمان ومكان؟
هل يمكننا ان نقول ان رب إسكندر الأعظم كان وحشياً أو جشعاً؟
هذا شعبُنا الذي نعرف ونحب!
أمي غنيمة
عن الدكتور عبدالعزيز المقالح
فضيحة "دكان القاسمي"، تجاوزات تقوض الثقة المصرفية
الهيمنة الحوثية إلى أين؟
مستحيلات يمنيّة… بعد ربع قرن على الوحدة