آخر الأخبار


الاربعاء 21 مايو 2025
داهمني شعور بالفجيعة وأنا أقرأ منشور نعي في صفحة الصديق الأستاذ محمد الهوني، يرثي فيه صديق عمره ورفيق دربه الصحافي الدكتور هيثم الزبيدي. لم أكمل قراءة المنشور، وقذفت الهاتف بعيدا في نوبة حزن على إنسان نبيل وشخصية حقيقية نادرة في هذا الزمان، عرفتها عن كثب، وعملت تحت إدارتها بين عامي 2013 و2023 كمراسل للصحيفة في اليمن ثم في الرياض. وخبرت خلال هذه السنوات الكثير من مواقفه الإنسانية ونبله وصدقه ووفائه وصفاء سريرته، وتعاليه على الصغائر.
لم يكن رحيل هيثم الزبيدي “أبوعمر” مفاجئا لمن عرف حقيقة المرض الذي ظل يصارعه خلال السنوات الأخيرة بصلابة وصبر ورباطة جأش غير معهودة. وكنت واحدا من أولئك الذين كانوا يخشون اليوم الذي يغشاهم فيه خبر ترجّل الفارس عن جواده واعتلائه السحب كذكرى خالدة لمحارب صلب خاض غمار الحياة بشجاعة ونبل ووفاء، وتشبث بالحياة ليس من أجل نفسه، بل من آجل الآخرين الذين يحبهم ويحبونه.
لن أُسهب كثيرا في الحديث عن مآثر هيثم الزبيدي كصحافي ومفكر سياسي، لكنني سأعرّج قليلا على سيرته كرجل نبيل وإنسان حقيقي ومقاتل صلب، آثر أن يعيش في الظل رغم أنه كان في مركز الضوء الإعلامي وفي بؤرة التأثير السياسي العربي.
في السنوات الأخيرة من حياته، قاوم هيثم الزبيدي مرض السرطان بصلابة، وأجرى عشرات العمليات، وعاد غير مرة من حافة الموت. وحتى خلال أصعب فترات مرضه، ظل يكتب ويحلل بصفاء ذهن سياسي وصحفي مثير للدهشة. وفي الوقت نفسه، لم يتوانَ عن دوره الإنساني والاجتماعي، حيث كان يجري الاتصالات بأصدقائه وزملائه ليطمئن عليهم ويمد لهم يد العون حتى وهو في غرفة العناية المركزة، من دون أن يخبرهم أين هو وماذا يكابد. بل إنه دأب في الكثير من الأحيان على إخفاء حقيقة وضعه الصحي عن أصدقائه حتى لا يتسرب إليهم القلق، في حالة إيثار قلّ نظيرها.
كان الدكتور هيثم حالة إنسانية استثنائية، تفيض مشاعره سريعا بالتأثر رغم ملامح وجهه التي تبدو صارمة وجادة للوهلة الأولى. وكان دائم السؤال ومدّ يد المساعدة لكل من عرفهم أو تعرفوا عليه حتى بشكل عابر. كما كان المال بالنسبة إليه وسيلة لإسعاد الآخرين، لم يكن حريصا يوما على جمع ثروة أو تأمين مستقبله، كما كان يخبرني دائما، وهو ينفق كل ما يملك من أجل الآخرين.
تلقيت أول اتصال من الدكتور هيثم بعد شهور من إعادة إصدار صحيفة “العرب” في العام 2012، وكان في هذا الاتصال في العام 2013 يطمئن عليَّ بعد تعرضي لاعتداء وعملية نهب مسلح في صنعاء يُرجَّح أنها ذات طابع سياسي. أما اللقاء الأول بيننا فقد كان في العاصمة السعودية الرياض، بعد الانقلاب الحوثي، ثم جمعتنا العديد من اللقاءات في مدن أخرى.
كان رجل الظل النبيل كعادته، في كل مرة أسافر فيها إلى دولة ما، يتصل بي ليطمئن ويقدم يد المساعدة ويوصي أصدقاءه في تلك الدولة بالمساعدة. وهي العادة التي استمرت معه حتى وهو في أصعب مراحل المرض، الذي تكالب عليه مع شعور مرير أحيانا بالخذلان وغدر من أحسن إليهم. لكن الحقد لم يعرف إلى قلبه طريقا طيلة تلك المراحل الصعبة من حياته.
اللقاء الأخير الذي جمعني بالدكتور هيثم الزبيدي كان خلال زيارتي إلى العاصمة البريطانية لندن في 2023. اتصل بي ودعاني للعشاء في منزله، حيث استقبلني بحفاوته المعهودة، برفقة شريكة حياته الإنسانة الفاضلة التي وقفت إلى جانبه في أعتى الفترات، “أم عمر”. شاركني الدكتور هيثم في هذه الزيارة أحد جوانب حياته الإنسانية وشغفه الجميل، والمتمثل في هواية جمع الطوابع، وعرض عليَّ طوابع نادرة لليمن من ضمن مجموعات عديدة يحتفظ بها. ثم ودعني إلى باب المنزل، وقبل أن أصعد السيارة كنت على وشك أن أطلب التقاط صورة معه، حيث تسلل إليَّ شعور مفجع أن هذا اللقاء ربما يكون الأخير، لكنني تراجعت خوفا من أن يتسلل نفس هذا الشعور إليه، ثم غادرت.
نقلا عن "العرب"
هيثم الزبيدي.. في وداع مقاتل نبيل
مشروع الإنفصال وداعميه
ثقب الأوزون لا علاقة له بالأمر… لكن المياحي فعلها!
صالح وتعز
جريمة قتل بشعة ووحشية تفجع الجنوبيين وتحرق قلوبهم؟