آخر الأخبار


الأحد 1 يونيو 2025
في لحظة تاريخية فارقة، وبين رماد الحرب وفوضى التحالفات، يعود الحزب الاشتراكي اليمني إلى الواجهة – لا عبر إنجاز سياسي أو موقف وطني جديد، بل من خلال صرخة حزبية مدوية أطلقها رفيق كبير من أبناء المشروع الوطني التقدمي: الدكتور ناجي العميسي، رئيس الدائرة القانونية السابق في الحزب.
لكنها صرخة لا تتوسل أحدا بل تعري التكلس الحزبي وتدعو إلى إحياء مشروع وطني مات واقفا على أعتاب لامبالاة قيادية مستفحلة منذ أكثر من عشر سنوات.
وفي الحقيقة فإن خطاب العميسي ليس مجرد رسالة إدارية تطالب بتشكيل لجنة تحضيرية لعقد المؤتمر العام السادس للحزب، بل هو وثيقة نقد ذاتي واتهام صريح للقيادة الحالية بالعجز السياسي والتقصير التنظيمي.
وقال كيف لحزب تأسس على أكتاف الشهداء والمناضلين أن يتعامى عن أبسط استحقاق ديمقراطي داخلي؟ بل هل يجوز أن تُحتجز مؤسسات الحزب - المكتب السياسي، اللجنة المركزية، الأمانة العامة - في حالة شلل دائم، دون أي مساءلة؟
تذكروا أكثر من عشر سنوات مضت على الكونفرنس ومنذ تكليف القيادة الحزبية عقب اجتماع اللجنة المركزية في ديسمبر 2014، وما زالت الكراسي تحتفظ بأصحابها دون شرعية تنظيمية أو تجديد.
كل ذلك يتم في انتهاك واضح للمادة (45) من النظام الداخلي للحزب، التي توجب عقد مؤتمرين عامين على الأقل خلال هذه الفترة.
والأدهى من ذلك، أن غياب المؤتمرات لم يكن نتيجة ظروف قاهرة فحسب، بل ناجم عن تقاعس إرادي واستخفاف بدورة الحياة التنظيمية.
برأي العميسي فان القيادة الحزبية، التي اختارت الصمت المديد، تتحمل مسؤولية سياسية وأخلاقية أمام أجيال الحزب، من شهداء الجنوب إلى مناضلي ما بعد الوحدة، الذين لم يرهنوا حلمهم الثوري بشهادة ميلاد أو ختم لجنة حزبية، بل آمنوا بأن التغيير لا يُصادر، وأن الدم لا يُساوم.
ومن جانبه، يضع الدكتور ناجي ، بجرأته المعتادة، إصبعه على جرح الهوية السياسية للحزب.
بينما يرى في التحالفات السياسية – خصوصا الانضمام إلى تكتل "اللقاء المشترك" – خيانة جزئية لجوهر الاشتراكية اليمنية.
فقد تحول الحزب، الذي قاد دولة ومجتمعا في الجنوب، إلى رقم هامشي في معادلة حزبية محكومة بتوازنات تقليدية وطائفية وإسلاموية، بدلا من أن يكون صوتا تقدميا مستقل يعبر عن العدالة الاجتماعية والمشروع المدني.
والحق أن النقد الذاتي، كما العميسي في ورقة حزبية داخلية، ليس ترفا تنظيميا بل ضرورة سياسية.
فالحزب الذي لا يعيد قراءة تاريخه، لا يمكنه قيادة المستقبل. بل كيف لحزب ثوري أن يواصل البقاء في سباته بينما اليمن يُختطف من قبل ميليشيات، وتُنهب الدولة، وتُقمع الحريات، وتُهدر السيادة؟
او بمعنى أدق كيف لمن كان صوته الأعلى في مواجهة الاستبداد أن يتحول إلى شاهد زور على تمزق الوطن؟
من هنا فإن المأزق اليوم لم يعد تنظيميا فقط، بل أصبح وجوديا. براينا.
او بمعنى اصح فإن الحزب الاشتراكي اليمني، الذي ظل صامدا بعد حرب 1994 ومجازر التصفيات والاغتيالات، بدأ يتآكل من الداخل، ليس بفعل الأعداء، بل من غياب القيادة الفاعلة والرؤية الواضحة.
ثم هناك الانقسام الجغرافي بين شمال وجنوب، والانقسام السياسي بين من يريد الحزب جزءا من المجلس الانتقالي الجنوبي، ومن يريد إبقاءه في هامش "الشرعية" المهترئة، يعكس عمق الأزمة الفكرية قبل أن يكون تنظيميا.
بل على وجه الخصوص يشهد الحزب الاشتراكي اليمني حالة من التشتت والانقسام بين قياداته في صنعاء والجنوب، حيث تتباين مواقفهم بين دعم الشرعية الدستورية والاصطفاف الضمني مع مليشيات الحوثي. ففي الوقت الذي تؤكد قيادة الحزب على أهمية دور التحالف العربي في محاصرة التمدد الحوثي، تخرج أصوات من داخله تهاجم التحالف وتُضعف الموقف الوطني. هذا التناقض يكشف عن أزمة بنيوية داخل الحزب، تعكس غياب رؤية موحدة وتضارب المصالح السياسية بين أجنحته، مما يضعف تأثيره الوطني ويفقده ثقة قاعدته الشعبية.
والشاهد إن المطالبة بعقد مؤتمر استثنائي ليس مغامرة، بل طوق نجاة.
بمعنى آخر إنها دعوة لاستعادة روح الحزب، لبناء قيادة جديدة تمتلك رؤية سياسية معاصرة، وتفتح أبواب الحزب أمام دماء شابة وأفكار تقدمية تواكب تحولات العصر.
من هنا فإن اللجنة التحضيرية التي كان دعا إليها العميسي لا يجب أن تكون نسخة مكررة من "تفاهمات فوقية"، بل إطار ديمقراطي شفاف تشارك فيه القواعد الحزبية، وكل من تبقى له ولاء للمبادئ الاشتراكية الأصيلة.
وإذا كان الحزب قد وُلد من رحم الجماهير، فإن عليه أن يعود إليها. فبدون قاعدة جماهيرية تؤمن به، وتدافع عنه، لن يكون سوى شاهد قبر في تاريخ الحركات الوطنية .
فالجماهير التي حلمت بعدالة الجنوب واستقلاليته، وتلك التي كابدت في الشمال من عسف الإمامة الجمهورية، كلها ما تزال تنتظر من الحزب الاشتراكي أن يقول كلمته بوضوح: لا للضم القسري، لا للوصاية الطائفية، نعم للدولة المدنية، نعم للعدالة والمساواة.
وعليه فإن ، على الرفاق في قيادة الحزب – الحالية أو السابقة – أن يدركوا بأن الصمت لم يعد خيارا، وأن التمديد غير الشرعي يعني موتا بطيئا لمؤسسة كان يمكن لها أن تقود مرحلة التغيير لا أن تتوارى في الظل.
ما يعني أن الحزب الاشتراكي اليمني اليوم أمام مفترق تاريخي: إما أن يكون صوتا حقيقيا للناس، أو أن يتحول إلى مجرد ذكرى في كتب النضال اليمني.!
صناعة الأعداء.. وسيلة الحوثيراني للهروب من الهزيمة
اليمن: دولة تتسول المساعدات وساسة يتقاسمون الغنائم
هل أخطأ الرئيس العليمي؟
ضربة قاسية وموجعة للأمير السعودي ”الوليد بن طلال”
السير بالمقلوب
مكاشفة رئاسية