آخر الأخبار


الخميس 5 يونيو 2025
سعى الملأ من قريش إلى ألا يستجيب أحد من أهلي و بَنِيّ للنـــور الذي عمّ أرجائي، و مضوا يحاربون الرسول الكــــريم ، و يتعامون عن الحق المبين.
ما أتعس المــلأ و هم يتعـــامون عن الحــق، و يَخْنسون عن صحـــــيح المواقف ، متمسكين بأوهام صَدّقت بها مصالحهم، و تعلقت بها قلوبهم. لكنها المنفعة الحقيرة التي تتضخم حتى تســد أمـام ناظري صـاحبها الأفق، فيرى فُتــات المنفعة و قد تكاثر، و تعملق، حتى غَيّب العقل، و الكرامة، و الحق، و النبل، و الدين، و غدا يَتكفّف الطغيان الظاهر و الخفي، و إذا هو قد بـاع كل خير، و تنكر لكل موقف، و خسر الدنيا و الآخرة،و ذلك هو الخسران المبين.
غادرني الركب الكريم المهاجر بسلام و عافية، و اكْفَهرّ الجو في سمائي، و أجدبت شِعابي ، و عاد الوادي وادٍ غير ذي زرع و لا نـور . فقد حل النــــــور هناك في يثرب، و أينع الزرع في المدينة المنورة.
تأمّلتُ في وجوه المــلأ ـ و هم يَخطُرون في أنحائي ـ لَعَلّـي أجـد في وجوههم ما أَقرأ به حقيقتهم بعد أن هـاجر النـبي الكريم و الضيـــــاء المبين، فلم أجـد فيها إلا الخيـبة تكسوها، و الانكسار يعصف بها،و القلق من أن الدين الحق قد صارت له حاضنة و أنصارا في يثرب.
المــــلأ الذين تتحكم فيهم الأنــانية، و المصــــالح الذاتية، يَتقزّمون ؛ لأنهم يُعــــادون، و يُخــاصمون عمقهم الزمـــــاني و المكاني، و يتنكرون لِسرِّ قوتهم، و رسالتهم، و فضّلوا اللّهثَ خلف سراب يحسبه عبد الشهوات ماء.
مضت الأيام، و هالني ذات صباح و ضمضم بن عمرو الغفاري ـ رسول أبي سفيان إلى قريش ـ يُوَلْول، و يستصرخ ؛ قد جَدع أنف بعيره، و حَوّل رَحْلَه، و كشف عن سَوْأته مبالغا في الإثارة، و هو يصيح: اللطيمة.. اللطيمة.. لقد اعترض محمد و أصحابه قافلتكم.
و أعلنت قريش النفـــــير و بالغت في الاستنفـار لتستأصل ـ بزعمهاـ محمدا و أصحابه.. و خرجت قريش بقضها و قضيضها لقتال محمد.
و اشتد بي القلق ،و قد خرجت قريش بذلك الجيش الكبير، فيما نقلت إلينا الأخبار،أن الرسول الكريم إنما كان قد خرج بثلاثمائة من أصحابه، مواجهة غير متكافئة، إلا أنه لم يمض وقت طويل حتى كانت فلول قريش تعود مهزومة، و إذا بالملأ المتغطرس قد صاروا بين قتيل و أسير بيد المسلمين في بدر.
و أشد ما أثار استغرابي في أحد الأيام ؛ حين طرق أبوابي أكثر من عشرين يهوديا، من مـلأ يهود، و زعمائهم، و كان على رأسهم أشقاهم : حُيي بن أخطب؛ فقد غدر يهود و مكروا في المدينة المنـورة فقاتلهم الرســــول و أجــــلاهم عنها، فتجمّع حقـدهم ، و جاؤوا إلى قريش يحرضـونها على غـزو المدينـة، و يَعِدون أهلها انهم سيكونون معهم، و أنهم قد ضمو إليهم قبــائل عربيــة كثيرة، ستكون معهم في الغـزو، منها : غطفـان، و فزارة، وأسد.. و غيرها.
و عجبت كيف يستجيب العربي لليهود على بغيهم و مكرهم، و حقدهم ، وكيف يجيزون لأنفسهم أن يقاتلوا عـربـا جنبا إلى جنب مع يهود . لكنها المــــواقف التي تجهل الحقيقة ، و تفقد الصّواب، و تفتقر إلى رُشد العقيدة.
و ما هي إلا أيام حتى رجعت قريش من غـزوة الأحـزاب منكسرة مدحورة.
و كان أعـــــز أيامي و أعظمها و أجملها ؛ حينما عاد الـركـب المهاجر قبل ثماني سنوات فاتحا، فهاهو ذا قد وصــل أطـرافي للفتـح الأعظـــم.
و دخل الرسول على ناقته متضرعا، مبتهلا، متبتلا، شاكرا لأنعم الله، و نصر الله و الفتح. و غرقتُ في تفكير، و ذكريات، و الملأ من قريش يطاردون المسلمين ، و يلاحقونهم بالأذى، ثُم و النبي يغادرني مهاجرا، و الملأ من قريش يذرعون أنحائي جيئة و ذهابا ؛ كيف أفلت منهم محـــمدا ؟ و لم أفق من ذكرياتي إلا على صوت تَحَطُّم الأصنام، و تطهير البيت من الأوثان ..!! و رحت من جــــديد في تفكـير أعمق.. كيف أصبحت تلك النبتة الأولى : " إقرأ " ـ و التي حــاربتها قريش بكل شــــراسة ـ بهذه القوة ، و العظمة، و الاقتدار.
إنها العقيدة الحـقـة، التي تنشئ أجيــــالا صــادقة ، تُطَوّع المستحيل، و تهزم المشاق، و تستعصي على الصعاب، فحيث الصبر و العمل ، يكون النصر، و الفتح المبين.
و مـرة أخرى يعود إليَّ الرســـــول الكريم، في حجة الوداع تَحفّه، و تحيط به الألوف المؤلفة، في مشهد مهيب، لم أعرفه من قبل، و لا عرفَت مثله الجزيرة العربية كلها.
و ياله من موقف رهيب و قد وقف الرسول صلى الله عليه وسلم على صعيد عرفـــات ، يُـوْدِع ســـمع المكان و الزمــان ، و الإنسان إرشاداته الغالية، و وصاياه الخالصة.. ثم يختمها بسؤال ألقاه سمع الكون كله، و الحاضر و المستقبل : ألا هل بلّغت؟ فـيردد حشــد عرفــــــات جميعهم : نشـهد أنك بلّــغتَ، و أدّيتَ، و نصــحت.. فيردد الســـؤال ثلاثا، و يكررون الشهادة ثلاثا؛ فيقول: اللهم فاشهد.
و تذكرتُ يوم أن جمع الرســـــول قريشـا أول مرة ليبلغهم دعوته، حين ناداهم : وا صبــــــاحاه ! و أخـبرهم أنه نذير لهم ، فقال قائلهم : تبا لك، ألهذا جمعتنا؟!
و رحتُ أبحث عن رجال شهدوا ذلك اليوم، فإذا هناك الكثير ممن حضروه ؛ رأيت أباسفيان، و سهيل بن عمرو، و الحارث بن هشــام .. و آخرين كثير، ممن كان لســــــان حـالهم و مقالهم ، و موقفهم، هو: تبا لك ! لكنهم اليوم قد تبدلت قناعاتهم، و ها هم ممن يشهدون أن الرسول بلّغ، و أدّى، و نصح.
إنه الصبر، و العمل المتواصل، و الأرقام الصحيحة التي لا يعتريها خوف، و لا يرتهنها طمع، و لا تبدل تبديلا.
الحوثية بعيون سعودية: فراشة ليلية؟ أم كباش جبلية؟ … وتعليقات بعيون يمنية
براقع الكترونية
رسالة إلى الدكتور العليمي وإلى العميد طارق
فتاة في التلفزيون
محمد في مكة
الوحدة اليمنية ووعي الذاكرة (الحلقة الثالثة)