آخر الأخبار


السبت 14 يونيو 2025
هناك بكاءٌ لا يُرثى به المظلوم، بل يُمسح به جبين القاتل.
بكاء مريب، ناعم النبرة، ثقيل الرائحة، يشبه دمعة تسيل على خد جلاد لتمنحه غفرانا لم يطلبه، ويعفيه من المحاكمة، لا لشيء... إلا لأنه "منا" طائفيا أو أيديولوجيا.
هكذا يبكي بعض المثقفين على إيران.
يبكونها كأنها ضحية، وهي التي لم تترك ضحية في العالم العربي إلا وشاركت في جراحه.
يبكونها وكأنها واحة النقاء، بينما هي في الحقيقة واحدة من أعنف الأنظمة التي دخلت المشهد العربي عبر بوابة الخراب.
حقيقة أحزنني أن الدكتور حمود العودي، وهو من أعرف عقله واتّزن قلمه، يذرف الحزن على إيران، بينما المليشيات المدعومة من إيران والتي تتغذى من حقدها تنحر اليمن كل صباح.
مؤلم أن رجلاً بحجم العودي يطلب السلام من ذراع الموت، ويأسى على الرأس الذي يأمر بالقتل.
أحترمه، نعم، ولا أنكر تاريخه، لكنه في هذا الموقف بدا كمن يُصافح القاتل وهو يطأ جثة الوطن.
هذا ليس موقفا... هذا خذلان بلغة محترمة.
وأخشى أن يكون التاريخ أقسى منا جميعا، لأنه لا يرحم النوايا حين تُجمل الجريمة.
في سوريا، لم تأتِ إيران لنصرة الشعب، بل لنصرة حليفها الجزار. دعمت نظاما لا يعرف من السياسة إلا البراميل المتفجرة، ومن الوطنية إلا "البقاء أو نحرق البلد".
وفي اليمن، مدت الحوث...ي بذراع عسكرية جعلت من أفقر دول العرب مقبرةً للأطفال.
أما في العراق، فقد جعلت من الدولة حديقة خلفية لميليشياتها، تُدار بالأوامر وتقسم بالغنائم.
وفي لبنان... آه من لبنان.
بلد حوله "حزب الله" إلى دولة مشلولة، لا تعرف من المقاومة إلا تاريخا استهلكه الحاضر الرديء.
ومع هذا، يأتي "مثقف" عربي يرتدي قميصا مشغولا بشعارات اليسار أو عمامة دينية مهترئة، ليقول لنا: "إيران قلعة الصمود!".
أي صمود؟
هل الصمود يعني قمع الشعوب، ونشر الفتنة، وتمويل الفوضى؟
هل الصمود يُقاس بعدد الميليشيات أم بعدد الجامعات؟ بعدد الصور المعلقة للمرشد أم بعدد الأطفال الذين استطاعوا أن ينجوا من الجوع والقصف؟
ثم يضيفون بوقاحة: "لكن إيران ضد إسرائيل".
نعم، هذا هو المخرج السحري:
عدوٌ مشترك يغسل الخطايا. فإذا اعترضت على تدخلات إيران، قالوا لك: "أنت عميل صهيوني".
وكأنك إذا كنت ضد سطوة الملالي، تصبح تلقائيا من أنصار تل أبيب.
لا، وبكل وضوح:
لا فرق عندي بين إيران والكيان. كلاهما يقتلنا. كلاهما يستهين بنا. كلاهما يستخدمنا وقودا لمعاركه.
إيران تقول إنها تحارب إسرا...ئيل، لكنها تقتل العرب. وإس..رائيل تقول إنها تحارب الإرهاب، لكنها تقتل العرب. الحصيلة؟ عربي مذبوح هنا... وعربي ممزق هناك.
أما أولئك الذين يتباكون على إيران في كل نكسة تتعرض لها، فهم جزء من هذه الجريمة.
لأنهم يمنحون المجرم غطاء ناعما بلغة ثقافية، ويقدّمونه كمنقذ بينما هو يغرز السكين في الرقبة.
إنهم مثقفون تافهون، نعم.
ولكن الأخطر أنهم طائفيون مقنعون، يقدمون أنفسهم كحكماء بينما هم وكلاء.
وكلاء ثقافة في سوق السياسة القذرة.
يتغذون على الانقسام، وينتعشون كلما انطفأت عاصمة، أو سقطت ثورة، أو ارتفعت راية سوداء فوق جثة شعب.
طبعا أنا لا أكره إيران فقط لأنها عدو سياسي. بل لأنها عدونا الأخلاقي، وعدو الإنسان العربي الذي يحلم بالسيادة دون وصاية، وبالهوية دون مذهب، وبالحرية دون فتوى.
نعم، لعنتي على إيران.
وعلى الكيان. وعلى من لا يفرق بين القاتل والمغتصب.
وعلى كل من يرى في طهران بوصلة، وفي بيروت ساحة، وفي بغداد محافظة إيرانية.
وأنتم، أنتم أعدائي.
و من يبرر القتل هو قاتل. من يلمع الميليشيات هو خائن. ومن يبكي على طهران بينما أطفال اليمن يُدفنون بالجملة… هو مجرد منافق صغير بقلم طويل.
والحق يقال أنا سعيد بما يحدث. لا شماتة، بل عدالة شعرية.
فها هو القناع يسقط. وها أنتم تنكشفون، عراة إلا من شعارات فارغة، ومواقف معلبة.
ولا مكان بيننا لمن بكى على القاتل، ثم مسح دم الضحية تحت سجادته.
بل كلكم سفلة: القاتل، ومن قتله، ومن صمت، ومن بارك، ومن كتب، ومن مسح الدم بكلام ناعم.
نعم..
إيران لم تُصدر الثورة، بل صدرت الطائفية مغلفة في كرتون مقاومة مزيف .
أوصلت إلينا المذهب قبل أن توصل الدواء، والحسينيات قبل المستشفيات، والرايات السوداء قبل الأعلام الوطنية. كما حولت كل خلاف سياسي إلى نزاع مذهبي، وكل شارع إلى "حوزة". فيما جعلت الهوية فرزا، والوطن طيفا باهتا في كتاب عقائدها.
ولقد كانت طائفية إيران مثل الماء المالح... يغريك بالشبع لكنه يقتل داخلك الحياة.
ضحكنا عندما قالت إنها تدعم المظلومين، ثم اكتشفنا أن الظلم عندها لا يُقاس بالعدالة، بل بالولاء.
وأحرقت الأخوة بيننا، لا بالسلاح فقط، بل بالكراهية المدروسة والمُمَوّلة.
والآن، عندما تنظر حولك، تجد نفسك لا تكره إيران فقط... بل تكره كيف جعلتك تشكّ بأخيك.
حدثت هذه المعركة من قبل
ماشاهدناه ولم تقله الحرب !
من قتل إبراهيم الحمدي؟ ومن قتل الحقيقة؟
إيران و"المثقفون الباكون": بكاء على جثة القاتل
الرد الايراني على إسرائيل
عن معاداة السامية