الخميس 22 مايو 2025
حينما هدم عساكر الشيخ القُبة ووجدوا حمارا
الساعة 09:33 صباحاً
محمد مصطفى العمراني محمد مصطفى العمراني

من الغرائب والعجائب التي شهدتها بنفسي ولا أنساها أبدا ما حييت أنني أثناء عملي بالتدريس في قرية أكمة العقاب وجدت قبة مهدمة فسألت عن قصتها فرووا لي قصة " قطيش وقحطان " وهي قصة عجيبة جدا فضحكت حينها حتى كدت أشترغ، وما زلت كلما تذكرتها ضحكت.! 

فهذه القصة من أعجب ما سمعت في حياتي.

لا تستعجلوا سأروي لكم القصة:

في صباح أحد الأيام مطلع الثمانينيات وجد أهالي أكمة العقاب رجلين بملابس بيضاء وعمائم كبيرة بجوار قبر وقد دفنوا فيه ميتهم. فسألوهم:

_ من أنتم ؟! ومن هذا الميت ؟!

فأجابوا بكل خشوع ووقار:

_ نحن كنا من المنقطعين للعبادة في الحرم المكي الشريف بمكة وقد رأى سيدنا الولي الصالح إبراهيم المبارك في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعود إلى اليمن ويأتي منطقة أكمة العقاب ويبني فيها مسجدا ويدعو إلى الله فيها؛ فتوجه من فوره إلى هنا وظل طول طريقه منذ أسابيع يصوم النهار ويقوم الليل، ويسير بنور الله حتى وصل البارحة، وحين وصل هنا مات فصلينا عليه ودفناه.

وحينها ترحم أهالي القرية على الرجل الصالح وبنوا الجامع ثم بنوا للولي قبة كبيرة وبجوارها بيتا للأولياء الصالحين، ونشط قطيش في الدعوة لجمع النذور والهبات لمقام الولي ابراهيم، فيما نشط قحطان في استقبال هذه الأموال والهدايا.

وكانا يقتسمان هذه الأموال ويغيب أحدهم لأيام في نهاية كل شهر والآخر ينوبه، وقد تدفقت عليهم الأموال والعسل والسمن والمواشي والدجاج من كل فقير محتاج، ومن الذين يلتمسون البركة والعلاج من كل مرض عضال، ومن الراغبين في إنجاب الأطفال.

وظل هذا هو الحال لسنوات، تتدفق أنهار الجهل والخرافة لتصب في جيوبهم حتى أختلفا على قسمة الأموال.

وأدرك قطيش أن قحطان يخدعه ويسرق الأموال ولا يعطيه الا الفتات وحينها فكر ثم طنن ثم فكر وقدر ثم قرر:

_ علي وعلى أعدائي.

سعى قطيش بحيلة غريبة أدت إلى نهاية غريبة لا تخطر لأحد على بال.!

ذهب قطيش إلى الشيخ أحمد النعماني وهو من المشايخ الكبار في المنطقة وقال له:

_ الشيخ قحطان رأى والدك في المنام؛ وأوصاه بأن يبلغك السلام، وشيء آخر هام.

جحظت عينا الشيخ وظهرت فرحته ثم سأله:

_ لماذا لا يأتي معك ويخبرني وله ما طلب؟!

أسقط في يد قطيش لكنه تدارك أمره وقال:

_ الشيخ قحطان لا يستطيع ترك المسجد والمقام والناس تأتي إليه، فلو جئت للمسجد الذي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ببنائه لنلت البركة وعرفت الوصية.

حينها قرر الشيخ زيارة المقام.

أسرع قطيش عائدا إلى قحطان وأخبره بأنه قد جاب له شغل " صفقة كبيرة" وأن الشيخ النعماني لو انبهر بحديثه وصدقه فسيمنحه الكثير من الأموال وسيصبح حديث الناس في كل مكان.

قال قحطان:

_ لكني لا أعرف شيئا عن هذا الشيخ والموعد غدا. فكيف العمل ؟! 

ضرب قطيش على صدره قائلا:

_ أنا عملت حسابي وجئت لك بأهم المعلومات.

وأضاف:

_ أنا تأكدت أن أم الشيخ قد توفيت وأنها كانت شريرة جدا تسرق أحذية النساء وتخفيها، وقد ضربت حمارا حتى مات.

فإذا جاء الشيخ قل له أمام كل الناس:

_ رأيت أمك في المنام بطنها تلتهب من الحرام، تأكل أحذية النساء وتحمل الحمار على ظهرها.

وحينها سينبهر الشيخ وتلجمه المفاجأة فقلة قليلة جدا من يعلمون أن أمه كانت تسرق أحذية النساء وقد قتلت الحمار.

حك قحطان رأسه وسأله:

_ هل أنت متأكد مما تقول ؟

أجابه قطيش بلهجة الواثق:

_ ببببب. 

في اليوم الثاني جاء الشيخ أحمد وخلفه العشرات من المسلحين والمرافقين، صعدوا إلى المقام وهم يرددون الأهازيج حتى وصلوا فصلوا في المسجد ثم دعوا لصاحب المقام، وقد أستقبلهم شيخ المنطقة وقحطان وجموع الناس في خيام نصبت بجوار المقام ومدت الموائد، فأكل الناس ومضغوا القات وتجمع الأطفال كأنهم في مهرجان.!

بعد العصر ألتفت الشيخ النعماني لقحطان وقال:

_ بشر يا فقي كيف رأيت الوالد في المنام وكيف الحال ؟ وماذا قال ؟

تعجب قحطان من سؤال الشيخ عن والده فقال:

_ ما رأيت الوالد لكني رأيت الوالدة أمك.

تعجب الشيخ واستغرب من حديثه فأمه لا تزال على قيد الحياة والشيخ يحبها جدا ويكاد يقدسها.

قال الشيخ:

_ وكيف رأيت الوالدة ؟

قال:

_ لو أكلمك لوحدك أفضل.

صمم الشيخ على أن يحدثه أمام الناس وحينها أستعد قحطان لإلقاء المفاجأة التي ستبهر الشيخ فقال:

_ رأيتها بحالة فظيعة وهيئة شنيعة تستعر في بطنها النار  ليل نهار، تأكل أحذية النسوان.. قاطعه الشيخ:

_ إيش قلت ؟!

_ تأكل أحذية النسوان والحمار فوقها.

وهنا ضج الجميع بالضحك.

وصار وجه الشيخ فحمة سوداء وغلي الدم في عروقه فهجم على الفقيه النصاب هجوم الوباء على قرية لا طبيب فيها قائلا:

_ أنا أمي تأكل أحذية النسوان والحمار راكب عليها يا سفيه ؟!

أراد قحطان الفرار فأمسكه عسكر الشيخ وقربوه إليه فأشبعه ضربا وهو يقول:

_ أمي بالبيت معززة مكرمة يا سفيه.

أنكب قحطان يقبل أقدام الشيخ ويطلبه بجاه أمه أن يتركه فتركه وهو في الرمق الأخير.

وأعترف قحطان أمام الجميع بأنه كذاب نصاب خدع الناس ونهبهم، وفر قطيش وقحطان خلفه يجري حافيا ويتوعده والأطفال يرشقونهم بالحجارة.

وهدم عساكر الشيخ القبة ونبشوا القبر فكانت المفاجأة الكبرى التي لا تخطر على بال، لقد وجدوا فيه جثة حمار.!


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار