د. عبدالقادر الجنيد

السعودية تريد الخروج من مستنقع… والبمن غارقة في شبكة مستنقعات.
من الذي متضايق الأكثر من الآخر؟
السعوديون؟ أم اليمنيون؟
المؤكد هو أن كلاهما متضايق من الآخر.
وهذا هو موضوع اليوم.
تعريف المستنقع
*
هي الأرض الموحلة التي لا يمكن الخروج منها.
ونستعير هذا المسمى لوصف "الحرب الطويلة" التي لا نعرف متى ولا كيف ستنتهي أو "المشكلة العويصة" التي لا نعرف متى ولا كيف سوف يتم حلها.
أكيد أن السعودية قد غطست في مستنقع داخل اليمن الذي صنعته لنفسها بنفسها عندما جاءت بعاصفة الحزم الحربية الجوية قبل عشر سنوات ولم تستطع أن تخرج حتى الآن.
السعودية، تريد الخروج من المستنقع بأي طريقة هذه الأيام، حتى ولو اختنقت اليمن واختفت في المستنقع وحدها.
ولكن اليمن غارقة في شبكة مستنقعات، ومازالت بها أنفاس تلهث ولا تريد من السعودية أن تتركها تلفظ النفس الأخير.
**
أولا: الحوثية: أم المستنقعات
**
اليمن، ترى أن السعودية جاءت لإنقاذها من الحوثيين في عاصفة الحزم ولكن المملكة تريد أن تنجو وحدها وتترك اليمن  في أكبر كابوس وأخس مستنقع وهو السقوط تحت حكم عائلة بدر الدين الحوثي والعودة إلى أوضاع حكم عائلة حميد الدين أيام ما قبل ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢ التي كانت تظن أنها قد تخلصت منه إلى الأبد.
لو تم تطبيق إتفاق خارطة الطريق، لغرقت اليمن في أم المستنقعات.
الحركة الحوثية، هي أم المستنقعات لأنها خلاصة العنصرية والسلالية والمناطقية والوصول إلى الحكم باستعمال القوة المسلحة وتفجير المنازل واختطاف الناس وإخفائهم قسريا، والتبعية لقوة أجنبية التي هي إيران.
إذا سقطت اليمن في أم المستنقعات الحوثية، فلن تخرج منه لعشرات السنين.
 خارطة الطريق: نجاة سعودية وغرق يمني:
*
إتفاق خارطة الطريق مكتوب بين السعودية والحوثيين في ١٠ أكتوبر ٢٠٢٣ وكان من المتوقع توقيعه في يناير ٢٠٢٤ لولا القصف الحوثي للسفن في البحر الأحمر.
الشرعية اليمنية، لا تستطيع مجابهة الحوثيين في جبهات الحرب ولا في المفاوضات.
قد تم حرمان الشرعية من العاصمة عدن ويتم طردها المرة بعد المرة على أيدي الكانتونات ولوردات الحرب والإمارات.
قد تم حرمان الشرعية من جيش واحد ومن قائد عسكري واحد ومن غرفة عمليات حربية واحدة ومن انطلاق حرب برية من كل الجبهات في وقت واحد، وهي لا تستطيع بهذه الأوضاع أن تحارب.
ولا يستطيع مفاوضو الشرعية أن يتمترسوا لأن نتائج أي مفاوضات إنما ما هي انعكاسات لتوازنات القوى على أرض الواقع ولأنهم أيضا يتعرضون لضغوط من السعودية أو بريطانيا أو أمريكا كما حدث في إتفاق ستوكهولم ولا يستطيعون الصمود.
{{ خارطة الطريق، هي الوصفة السحرية التي ترى السعودية أنها سوف تنقذها وحدها من مستنقع اليمن. }}
{{ وهذا صحيح. }}
{{ ولكن الصحيح جدا أيضا أن خارطة الطريق أو أي تلفيقات من جروندبرج هي إغراق لليمن داخل أم المستنقعات الحوثية.}}
{{ اليمنيون، يريدون الخير للسعودية وأن تعمل ما تراه مناسبا لنفسها ولكن بدون إلقاء اليمن في أعماق أم المستنقعات الحوثية. }}
**
ثانيا: إيران غطست السعودية في مستنقع اليمن
**
إيران، نصبت للسعودية فخا ومصيدة محكمة أيضا وليس فقط مستنقعا.
إيران، جاءت إلى اليمن لمضايقة السعودية لانتزاع مكانتها في المنطقة وفي زعامة العالم الإسلامي وما تيسر من الثروة.
هل تريدون أسبابا أخرى؟ هناك الكثير. هناك اختلاف مذهب الشيعة والسنة. هناك شيعة شرق وجنوب السعودية. هناك الحركة الحوثية ومحور الممانعة. هناك العداء التاريخي المشترك بين الحوثيين والإيرانيين ضد السعودية سواء كانت مملكة آل سعود أو أي شيئ آخر.. 
اختاروا ما شئتم من الأسباب، ولن يغير هذا شيئا من فكرة أن إيران موجودة في اليمن لمضايقة السعودية باستعمال الحركة الحوثية.
إيران تكلفتها وغرامتها ضئيلة في استعمال الحوثيين ومعظمها عينية على هيئة نفط مجاني أو سلاح وقطع لتركيب الصواريخ والمسيرات الدرونز وكلها صناعات إيرانية.
كل تشعبات وتقلبات السعودية  وعاصفة الحزم وحملاتها الجوية والعسكرية والمساعدات،  قد كلفت الخزينة السعودية مئات مليارات الدولارات من ٢٦ مارس ٢٠١٥.
هذا مستنقع خوزقت فيه إيران السعودية، والمملكة تريد الخروج منه بأي طريقة.
{{ لا أحد ينكر أن إيران قد أغرقت السعودية في مستنقع داخل اليمن. }}
{{ لا أحد يمكن أن بجادل بأن السعودية قد ارتعبت من المستنقع وقد قامت بأقصى جهد لتهرب من اليمن بمراضاة إيران في مصالحة بوساطة الصين وفي كتابة إتفاق خارطة الطريق مع الحوثيين. }}
{{ لا أحد أحد يستطيع أن يتغافل بأن السعودية تريد أن تترك اليمن وحدها ولمصيرها. }}
{{ المرعب في التوجه الجديد اليمن هو أن السعودية قد أصبحت تريد أن تتجمل مع إيران وتراضيها تحت إسم "حل سلمي شامل" و "استقرار وأمن المنطقة". }}
{{ ونحن لا نريد من السعودية أن تفعل كل هذا. }}
**
ثالثا: الإمارات صانعة مستنقع الكانتونات
**
علاقة السعودية مع الإمارات، معقدة داخل وخارج اليمن.
علاقة معقدة لا نعرف هل السعودية تتماهي أو تتغاضى عن تجاوزات وشطحات الإمارات.
هل هم أصدقاء؟ أم متنافسون؟
هل السعودية حليفة ومتكاملة مع الإمارات؟ أم أن تناقض الطموح الترانزيت والتجاري، والنفوذ السياسي، والخلافات الحدودية والبحرية بين المملكة والإمارات عميقة الجذور؟
المؤكد هو أن علاقات السعودية مع الإمارات داخل اليمن لا تعجب كل اليمنيين. أصدقاء الإمارات لا تعجبهم السعودية وأصدقاء السعودية لا تعجبهم الإمارات
والغالبية العظمى من اليمنيين يرون أن علاقات السعودية والإمارات ببعضهما تضر بالبلدين وتلحق أضرارا جسيمة باليمنيين كأفراد وكشعب وكوطن وكمصير ومستقبل.
المؤكد هو أن تناقضات السعودية والإمارات قد شرذمت اليمن وقذفتها في ستين مصيبة وداهية.
هذا مستنقع فيه قوات مسلحة ولوردات حرب قد تمت شرعنتهم بعضويات في مجلس رئاسة اليمن.
هذا مستنقع قد أصبح من الحقائق على الأرض ويتم تمويله بأموال إماراتية وتعتمد عليه نخب ومسؤولين بمناصب رسمية وفئات وإعلاميين لكسب أرزاقهم وأرزاق عائلاتهم.
هذا مستنقع منفصل من صنع الإمارات وسمحت به السعودية ولا أحد متأكد من أن اليمن سوف تخرج منه في المستقبل المنظور.
السعودية لا تمانع في بقاء هذا المستنقع حتى وهي أكثر دولة تعرف معنى "الدولة" وتعرف أنه لا يمكن قيام دولة مع بقاء هذه الكانتونات في نفس الوقت.
السعودية، موافقة على بقاء هذه الكانتونات حتى وهي تعرف أنه لا يمكن التخلص من الحوثيين بواسطة لوردات الحرب.
السعودية، لا يمكنها التخلص تماما من الكانتونات ولوردات الحرب إذا صممت الإمارات على بقاء هذه الكانتونات.
هذا المستنقع لا يمكن أن يستمر على قيد الحياة بدون الإمارات.
والإمارات لن تتخلى عن الكانتونات.
والدولة اليمنية، يستحيل أن تقوم وتقوى مع وجود هذه الكانتونات.
مشكلتنا مع لوردات الحرب، ليست شخصية ولا مناطقية ضيقة كما يحاولون النجاة بأنفسهم عندما نبحث هذه المسألة.
مشكلة اليمن مع لوردات اليمن ومع الكانتونات، هي أنهم تابعون لدولة أجنبية وقد أصبحوا إحدى مشكلات اليمن المستعصية وهم بالتأكيد يعتبرون الآن أحد مستنقعات اليمن المستحدثة وشغل اليد وتصنيع الإمارات.
{{ اليمنيون يقولون عن لوردات الحرب أنهم فاسدون وطماعون وجشعون وأنهم هم السبب في هذا المستنقع الإماراتي. }}
{{ وبالطبع هذا صحيح. }}
{{ ولكن ماذا عن مسؤولية السعودية التي سمحت للإمارات بتوليد هذا المستنقع؟ وماذا عن الإمارات المالكة الحصرية والممولة الوحيدة لهذا المستنقع؟ }}
**
رابعا: السعودية والشرعية تغطسان بعضهما
**
السعودية، فعلا قد غطست في مستنقع داخل اليمن وتريد أن تخرج بأي طريقة حتى ولو كان في هذا هلاك الشرعية اليمنية.
١- هل استفادت اليمن؟
*
هل استفادت الشرعية اليمنية من المملكة السعودية، بما يمكن أن نصفه بأنه هدية العمر والذي يضمن قيام الدولة اليمنية تحت القانون والدستور والرئيس الواحد والجيش الواحد.
الإجابة: لا.
… لا كبيرة.
٢- هل استفادت السعودية؟
*
هل استفادت المملكة السعودية من الشرعية اليمنية في الغرض الذي جاءت من أجله، والذي هو تخليصها من الأخطار الحوثية والإيرانية على حدودها الجنوبية.
الإجابة: لا.
… لا كبيرة.
ما يقوله اليمنيون
*
{{ اليمنيون يقولون أن السعودية هي التي تغير أهدافها، ولا تحمي الشرعية من الإمارات، وهي التي لم تحسن قيادة ومشاركة اليمنيين في هدف واحد وغرفة عمليات حربية واحدة . وأن هذا قد تسبب في إدخال شرعية اليمن ليس فقط في مستنقع ولكن في احتمال التهديد الوجودي والفناء. }}
{{ وكل هذا صحيح. }}
ما يقوله السعوديون
*
{{ السعودية تقول أن اليمنيين فاسدين وخائنين ويبيعون سلاحنا للحوثيين ولا يحفظون العهود والمواثيق. وأن هذا قد أدخل السعودية في مستنقع. }}
{{ وهناك شيئ من الصحة في كلام السعوديين و أشياء من هذا قد حدثت فعلا… ولكن هناك أيضا أبطال يمنيون رائعون وتضحيات ودمار وتشريد وآلاف من الخسائر في الأرواح والشهداء. }}
{{ ولكن أيضا ماذا عن دور السعودية في كفاءة القيادة وحسن الإدارة والرصد والمراقبة والمساءلة والمحاسبة والمكاشفة والتدقيق؟ }}
**
خاتمة: خروج اليمن من شبكة المستنقعات
**
لا تستطيع اليمن الخروج من شبكة المستنقعات من ذات نفسها، لانعدام القدرة ونقص في الهمة والإرادة.
ولا يستطيع لوردات الحرب ولا حكومة ولا أعضاء مجلس الرئاسة القيام بهذه المهمة.
هذا يحتاج السعودية والإمارات وأمريكا، ولكنهم كلهم قد أداروا وجوههم ولا يكترثون ولا يهتمون.