الخميس 15 مايو 2025
عن طارق صالح مرة أخرى: ما بين لعنة الإرث وامتحان الجمهورية
الساعة 10:09 مساءً
فتحي أبو النصر فتحي أبو النصر

طبعا في زمن تتبدل فيه المواقف كأقنعة السيرك، يظل من الصعب – بل المستحيل أحياناً – قراءة شخصية طارق صالح خارج سياق التناقضات اليمنية المريرة. 
ستقولون لا هو رجل الماضي تماماً، ولا هو ابن المستقبل الذي ننتظره. إنه خليطٌ حاد من التجارب، والبراغماتية، وضرورات اللحظة التي لا ترحم.
فليس من السخرية أن يُشبَّه بخالد بن الوليد، بل من محبة التاريخ لرواده القادمين من أطراف المعارك، المتأخرين عن الهداية، المتحولين من خصوم للفكرة إلى حراس لها. 
لكن الفرق كبير بين ماض خُطّ على صهوات الخيل، وحاضر يُرصف بالإسمنت المسلح، فيما تختلط السياسة بالتنمية، والمشاريع بالخلاصات الأخلاقية غير المكتملة.
والحق يقال إن العميد طارق صالح لم يأتي إلى الجمهورية كرسالة إيمانية، بل كخيار براغماتي، لكن ذلك لا ينفي قيمة حضوره. 
فلعل أكثر ما يربك خصومه وناقديه هو هذه القدرة على تمثل التحول، دون أن يمنحهم لحظة اعتراف أو توبة علنية!.
ستقولون لم يعتذر، ولم يخجل، لكنكم أيضاً لا يجب أن تنكروا لما تم إنجازه اليوم على يديه.
 هل هو ذلك الضابط القديم المتورط في النظام السابق؟ نعم. لكنه في الآن ذاته، هو من بنى مدارس  ومستشفيات وشوارع ومطار دولياً المخا، ورفع علم الجمهورية فوق ألوية قاتلت من كل المحافظات.
صدقوني نحن لا نُمنح ترف الاختيار دائماً، لا سيما حين يتعلق الأمر بقادة يحضرون من فجوة التاريخ، كأنهم يعيدون ترتيب الخرائط وفقاً لبوصلة غير مكتملة كما تعتقدون.
 فوجود طارق صالح اليوم ليس نتاج حنين لماضي إمامي الطابع أو جمهوري القشرة، بل نتيجة فراغ قيادي وطني أرغمنا على تقبل الممكن، والتعامل مع الواقع كما هو، لا كما نريده.
وفي تعز، حيث الوجدان الجمهوري أكثر رسوخاً من الشعارات، يتقدم طارق بحذر، لا ليزايد على الأحزاب، بل ليتقاطع معها عند نقطة واحدة: اليمن الكبير. هذا وحده مكسب، إذا ما تم البناء عليه برؤية لا تقتصر على الحضور العسكري أو المساعدات الإماراتية، بل تتعداها إلى تشكيل وعي سياسي واضح المعالم، لا يخجل من أخطاء الماضي، بل يتعلم منها.
فالجمهورية  لا ينبغي لها ان تعيش وفق الخصومة السياسية ولا مشاريع إنشائية ممولة. إنها، ببساطة، التزام أخلاقي وقناعة فكرية واعتراف حقيقي. ولا بأس إن تأخر البعض في الوصول إليها، المهم أن يصلوا بصدق، لا بورقة توت، ولا بخطاب علاقات عامة.
نعم، إننا نعيش زمناً يجعل من أحد أدوات "التوريث" بالأمس، أحد حماة الجمهورية اليوم. لكن تلك ليست نكتة التاريخ، بل انعكاس لفشلنا جميعاً في صناعة قيادة بديلة. 
وهنا، لا يكون العتب على طارق صالح، بل علينا، لأننا تركنا المنابر فارغة، فتحولت بنادق الأمس إلى أدوات ترميم للجدار المائل في جسد الجمهورية.
بمعنى أدق لسنا بحاجة إلى خالد بن الوليد في نسخته التنموية، بقدر ما نحتاج إلى رجل صادق مع نفسه ومع وطنه، لا يقاتل ليُقال عنه بطل، بل لأنه يدرك أن اليمن تستحق أكثر من الهدم، وأكثر من إعادة التدوير.
وهذا ما ننتظره من طارق: لا توبة، بل وعي. لا إنكار، بل جرأة في المصالحة مع الذات ومع الشعب.
وحينها فقط، لن يبدو استدعاء خالد بن الوليد إساءة، بل إشارة إلى قدرة البعض على التحول من خصم للفكرة، إلى واحد من جنودها الأشداء.
وبالرغم من كل الجدل الذي يحيط بمسيرته، يظل العميد طارق محمد عبدالله صالح رقماً صعباً في المعادلة اليمنية الراهنة، لا يمكن تجاهله أو التقليل من حضوره، خاصة في موقعه الحالي كنائب لرئيس مجلس القيادة الرئاسي.
 فالرجل استطاع أن يُعيد تموضعه ببراعة وسط مشهد يمني معقد، مستفيداً من تجربته العسكرية والسياسية، دون أن يغفل أهمية التنمية والبناء كجزء من معركة استعادة الدولة.
فيما قوته لا تأتي فقط من موقعه، بل من شبكة علاقاته، وقدرته على التوازن بين الأبعاد المحلية والإقليمية. وهو، وإن كان من بيت جمهوري بالفطرة، إلا أنه أدرك مبكراً أن لا مستقبل لليمن خارج مشروع الدولة الوطنية.
 كما أنه لم يقع في فخ المناطقية، ففتح أبواب قواته لأبناء كل المحافظات، ورفع علم الجمهورية في جبهة الساحل الغربي بأيدي يمنية خالصة.
وفيما تتخبط أطراف كثيرة في صراعاتها الحزبية والمناطقية، يظهر طارق كواحد من القلائل الذين يمارسون السياسة بثبات واتزان. 
هو ليس الرجل الكامل، ولا يزعم  ذلك، لكنه في زمن الانقسام والخوف، يمثل فرصة واقعية لتماسك الجبهة الجمهورية. احترامه ليس ترفاً، بل ضرورة تمليها المرحلة وتفرضها تطلعاتنا لوطن يستحق قيادة قوية ومتماسكة.!


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار