السبت 17 مايو 2025
الحياد الخائب.. مع يورانيوم الحوثي..!
الساعة 06:41 مساءً
فائد دحان فائد دحان

 

من الرياض، عاصمة القرار العربي، يتكرر المشهد ذاته.. لقاءٌ جديد انعقد بطلبٍ من ولي العهد محمد بن سلمان، وجمع بين الرئيسين الأمريكي والسوري، وخرج الجمع بابتسامةٍ يتحدثون عن "تحولٍ في المنطقة".
تحولاتٌ حرّكت المياه الراكدة.. إلا في اليمن، حيث لا تزال المستنقعات تتمدد، والعبارة تتردد "تشجيع الأطراف اليمنية على الحوار".

هكذا قالها الأمير الشاب، فيما السؤال الأكثر إلحاحاً يُفترض أن يُقال بصوتٍ جهور.. هل اكتملت قائمة الطلبات عند هذا الحد؟ أم أن المقصود بتشجيع الحوار هو الأطراف اليمنية المناوئة للحوثي فقط، بينما يُبقي ولي العهد الحوثيين جزءاً من معادلةٍ تفاوضيةٍ يرفضون أصلاً الاعتراف بها؟

هؤلاء الذين أداروا ظهورهم لكل طاولة، ونقضوا كل اتفاق، وأرسلوا شبكاتهم الناعمة تبكي في العواصم، وتبشّر بحواراتٍ كلما ضاقت عليهم الأرض بما رحبت.

تعود بي الذاكرة إلى تصريحٍ شهير لولي العهد محمد بن سلمان.. "الحوثيون يمنيون قبل كل شيء.. ولديهم نزعة عربية نأمل أن تبقى حية فيهم".
تصريحٌ حمل أملاً سياسياً لائقاً بمناخ المصالحات، لا أدري أي شبكةٍ أقنعت الأمير بذلك، لكن أن تستمر ذات القناعة حتى اللحظة من أميرٍ ذكيٍّ، فذلك أمرٌ مريب فعلاً.

مرت السنوات، ولم يتلقف هؤلاء حسن نية الأمير.. تجاهلوه تماماً، كما فعلوا مع القوى اليمنية التي أحسنت فيهم الظن ذات مساءٍ، قبل 21 من سبتمبر 2014، ووجدت نفسها في صبيحة اليوم التالي خارج المعادلة.

والسؤال هنا.. متى كان الحوثيون صادقين في حوارٍ واحد؟
من اتفاق السلم والشراكة الذي نقضوه بعد توقيعه بساعاتٍ، إلى مفاوضات الكويت التي طالت أشهراً ولم تكن سوى غطاءٍ لتمددهم العسكري.
ومن اتفاق ستوكهولم "السويد" الذي تعهدوا فيه بالانسحاب من الحديدة، ولم يغادروا شبراً واحداً حتى اليوم، إلى مفاوضات مسقط التي تحولت إلى مأوى دائم لوفدهم السياسي، يفاوضون فيها من أجل الوقت لا من أجل السلام.

أربع محطات تفاوضٍ كبرى، لم يخرج منها اليمنيون سوى بمزيدٍ من الخراب، ومزيدٍ من العبارات المعلبة عن "تشجيع الحوار".

كيف يمكن تجاهل أن الحوثيين قدّموا لطهران ما عجز الحرس الثوري عن تقديمه؟
نسجوا مشروعاً يوازي في خطورته تخصيب اليورانيوم في منشآت نطنز وقم، وتنكّروا لعروبتهم منذ زمنٍ بعيد.

المقارنة هنا فادحة، بل فجّة.. فبينما كان الأمير يأمل أن تبقى نزعتهم العربية حية، كانوا في اللحظة ذاتها يرسّخون نزعتهم الفارسية في قلب صنعاء، يعيدون تشكيل الجغرافيا والهوية، ويكتبون الخريطة على مقاس قم وطهران.

وكما تستخدم إيران تخصيب اليورانيوم للمساومة على نفوذها، يستخدم الحوثيون التصعيد العسكري أداةً لفرض الشروط على الرياض.. معادلةٌ لا تختلف كثيراً عن لعبة التوازن النووي، لكن بنكهةٍ يمنيةٍ مشبعةٍ بروائح البارود وأحلام الملالي.

ويبرز السؤال الأخطر..
هل ستتوقف قائمة الطلبات عند هذا الحد؟ أم أن الطلب التالي سيكون "إنقاذ اليمن من يورانيوم الحوثي الإيراني" قبل أن يتحول إلى قنبلةٍ تُفجَّر في خاصرة المملكة ساعة تشاء طهران، حينما تتخلص من التراكمات التي تحاصرها هذه الأثناء؟

ثم لماذا، بينما تحرص أمريكا على تحصين محيط إسرائيل من فلسطين إلى سوريا ولبنان ومصر، تُترك خاصرة المملكة الجنوبية مكشوفةً لوَرمٍ يتكاثر، والجميع يتحدث عن استقرارٍ هشٍّ لا يتجاوز عتبة قاعة الاجتماع؟

رؤية 2030 مشروعٌ طموح، لكنه لا يُبنى فوق خاصرةٍ مكشوفة.. لا يمكن له أن يكتمل قبل أن تُحصَّن حدود المملكة من شظايا المشروع الإيراني في صنعاء.

الرهان على الحوار قد يكون خياراً سياسياً مرحلياً، لكنه ليس خياراً استراتيجياً.
فالسؤال الصعب لم يعد متى يكتمل مشروع الحوثي؟
بل.. متى تعيد الرياض صياغة قواعد اللعبة قبل أن تستيقظ على انفجارٍ بلا إنذار؟

ولأن هذا الشرق لا يصنّع كل قنابله في المفاعلات.. بعضها يُعجَن في كهوف مران وقم، يُطلى بشعارات العروبة كذباً، ويُزرع في خاصرتك وأنت تحسن الظن.

ذلك أن من يراهن على الحوار مع بارودٍ مؤجل، سيصحو ذات فجرٍ على قنبلةٍ لم تكن في حساباته، ولا في تقديراته.

وهذا الشرق، يا سادة، لا يمنح تنبيهاً قبل الانفجار.
فمن أراد شرقاً يضاهي أكثر الدول تقدّماً وحضارة، عليه أولاً أن يُنهي ملف يورانيوم الحوثي، قبل أن يخصب أكثر، مستغلاً حياداً خائب ينمو دونما رقيب.


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار