آخر الأخبار


الثلاثاء 20 مايو 2025
كانت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للشرق الأوسط محطة تاريخية بحق، تناولت عناوينها العريضة مجمل قضايا الولايات المتحدة والمنطقة، لكن هدفها الأساسي كان اقتصاديا بامتياز ولم يكن سياسيا بالمطلق، ففي منطق رجل مثل ترمب المصالح الاقتصادية هي من ترسم توجهات السياسة وليس العكس.
كان اللافت تماما هو غياب اليمن بكل أزماته المعقدة عن اهتمامات ترمب ورؤيته بشأن الترتيبات المستقبلية في المنطقة، كأنه بلد خارج معادلات الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي رغم ما يمثله موقعه الجغرافي بالقرب من دول الجزيرة والخليج وثقله السكاني وتاريخه العريق، من أهمية كبيرة في ضمان ديمومة أمن وازدهار الشرق الأوسط الجديد الذي يتطلع الكثير إلى بنائه بعيدا عن النزاعات التي تسبب فيها الخلاف مع إيران حول طموحاتها النووية والسياسية وما ترتب على ذلك من توترات في عموم المنطقة.
لأسباب عدة متداخلة، غاب اليمن عن أجندة زيارة ترمب، وتم استبعاد ملفه من طاولة القمة الأميركية الخليجية المنعقدة في الرياض الأربعاء الماضي 14 مايو/أيار.
أول تلك الأسباب، ليس فقط أن اليمن لم يمثل أولوية اقتصادية ولا سياسية أو أمنية بالنسبة لترمب بعد تفاهمه غير المباشر مع الحوثيين على "التهدئة" ووقف تبادل الهجمات على المصالح الأميركية في البحر الأحمر.
ثانيها، أن اليمن بلد "منقسم" بين إرادات داخلية متضاربة، وبلا قيادة واحدة، ورهن لمنافسات محلية وإقليمية كل منها يريد أن يأخذه في الاتجاه الذي يريد، وكذلك "مأزوم" بضوائق اقتصادية طاحنة أربكت حكومته "الشرعية" التي باتت شرعيتها تتآكل أمام الاحتجاجات الشعبية المتزايدة على ضعف أدائها وما يوصف بفسادها المالي والإداري.
ثالثا، أن مغامرات الحوثيين انتقلت من نزاع داخلي إلى صراع مع الجوار ثم مع العالم بعد تهديدها لأمن الملاحة التجارية في البحار المحيطة بالبلاد وضد إسرائيل، تماهيا مع إيران، ما جعلها تتحول إلى مشكلة عالمية استدعت تدخل كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل للتعامل معها بشكل مباشر دون الحاجة إلى التخاطب أو التنسيق مع الحكومة اليمنية، ولا مع الجوار أيضا.
رابعا، غياب أي مسار سياسي للصراع القائم في اليمن، وتعذر حسمه دبلوماسياً بقيادة الأمم المتحدة، أو عسكرياً من طرف قوات الحكومة اليمنية بعد تدخلين عسكريين، سابق، من قبل التحالف العربي، ثم، لاحقا الحملة العسكرية الأميركية-البريطانية-الإسرائيلية، مما جعل من اليمن ملفا مؤجلا وميؤوسا منه مرحليا على الأقل، وإن كانت القوة الدبلوماسية الناعمة لا تؤمن بأن أي نزاع أو أزمة لا يجب أن يبقيا دون حل.
البعد الإيراني
لا بد أن تركيز إدارة الرئيس الأميركي ترمب ينصب في هذه المرحلة على ضمان أمن السفن الأميركية العسكرية والتجارية في البحر الأحمر، وتجنيبها أي تعرض لها من قبل الحوثيين، وتريد انتظار ما سوف تؤول إليه مفاوضاتها النووية الجارية مع طهران، لكنها فى الوقت نفسه تعلم أن الوضع في اليمن قضية مرتبطة إلى حد كبير بالدور الإقليمي لإيران في كامل المنطقة وليس اليمن فقط، وإن كان الأمر يبدو محسوما في سوريا بعد لقاء رئيسها المؤقت، أحمد الشرع بالرئيس الأميركي في الرياض وإعلان الأخير رفع جميع العقوبات المفروضة على دمشق، وكذلك بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة في لبنان.
ما يمكن تأكيده بهذا الخصوص هو أن التوصل إلى "صفقة شاملة" بين واشنطن وإيران لا يزال بعيد المنال سيما أن خيوط "حائك السجاد" في طهران لا تزال طويلة، وتراهن على كسب المزيد من الوقت حتى انتهاء الولاية الرئاسية الحالية لترمب، لكن الرجل يبدو في عجلة من أمره، ويحذر من "خيار سيئ" إذا لم تعمل طهران على "تسريع" خطواتها نحو اتفاق معها حول مشروعها النووي، كما ورد في حديثه لمحطة "فوكس نيوز" بعد عودته من زيارته للشرق الأوسط. هذا إلى جانب تأكيدات من قبل بعض كبار مسؤولي إدارته بأن عرض واشنطن لإيران لن يظل "شيكا على بياض" ما يعني أن إيجاد حل للنزاع في اليمن سوف يظل مرهونا بذلك إلى أمد غير قريب أو منظور.
ولكن حتى وإن تم التوصل إلى اتفاق مع طهران فليس ثمة ما يمنع من "ظهور الشيطان" في تفاصيل تطبيقه، وإرجاء الحسم في الشأن اليمني إلى حين حدوث معجزة قد لا تتحقق في ظل حالة التنازع والانقسام التي يعيشها الصف اليمني المناوئ للحوثيين.
الوهن السياسي
لكنّ ثمة عاملا أساسيا وراء تراجع الاهتمام الأميركي بالشأن اليمني وهو الوضع الواهن والضعيف للحكومة الشرعية اليمنية الذي يجمع كثيرون داخل اليمن وفي الغرب الأميركي والغربي على أنه بحاجة إلى مراجعة شاملة وإصلاح وإعادة نظر.
بعد عام ونصف العام على قيام الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، بتفويض جميع صلاحياته لمجلس قيادة رئاسي اتضح للجميع أن تجربة هذا المجلس، الذي تشكل من ممثلين عن تكوينات سياسية وعسكرية متنافسة وغير متجانسة، مخيبة للآمال التي انعقدت عليها.
الدور السعودي
رعت السعودية ما اعتقدت في حينه أنه الصواب، وأقنعت شركاءها العرب والأوروبيين والأميركيين بذلك، لكن هؤلاء الشركاء باتوا يعتقدون اليوم، ربما مع السعودية أيضا، أنه لا بد من تعديل آخر لهيكلية القيادة السياسية اليمنية بما يعيد لها الفاعلية والقدرة على مواجهة التحديات الماثلة أمامها.
ومن المرجح، بحسب معلومات متداولة ومتطابقة، أن تكون الرياض سعت إلى عقد لقاء بين الرئيس الأميركي ورئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، خلال زيارة ترمب الأخيرة للمنطقة، لكن ذلك لم يلق تجاوبا، أو أنه كان في الأساس خارج "أجندة" الزيارة، ما وضع "العليمي" في حرج أمام شعبه ومنتقديه الذين أنحو عليه باللائمة في تفويت هذه الفرصة، بل وتساءل بعضهم، كيف يأتي الرئيس السوري من دمشق للقاء ترمب في الرياض ولا تكون هناك فرصة للعليمي شبه المقيم في الرياض للقاء الرئيس الأميركي وعرض مطالبه عليه في ضوء التدخل العسكري الواسع للولايات المتحدة الأميركية في بلاده.
ما يحسب لراعي القمة الأميركية-الخليجية، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أنه أعاد تصويب البوصلة في الاتجاه الصحيح عندما أبدى تحفظه على ما ورد في كل من كلمتي أمير دولة الكويت، مشعل الأحمد الجابر الصباح، ووزير خارجية سلطنة عُمان، بدر بن حمد البوسعيدي، من أن وقف الحملة العسكرية الأميركية على الحوثيين جاء بـ"اتفاق بين الولايات المتحدة واليمن". كما أحسن أمير الكويت صنعا عندما تدارك الأمر، وتحدث عن "اتفاق بين الولايات المتحدة والسلطة غير الشرعية في اليمن" بالنظر إلى الفارق "القانوني والسياسي" بين التعبير الأول والثاني، فالحوثيون في نظر القانون الدولي ليسوا دولة معترفا بها، بل "ميليشيات انقلابية متمردة" لا يمكن لها انتحال صفة "تمثيل اليمن" على أي حال في ظل وجود حكومة شرعية معترف بها من قبل المجتمع الدولي، أيا كانت المآخذ على واقعها وأدائها.
ما الحل؟
صحيح أن الخيارات تضيق أمام اليمنيين، ولا بديل عن "إنعاش" مؤسسة الرئاسة والحكومة بإيجاد صيغة بديلة عما هو قائم الآن، مؤثرة ومقبولة في الداخل والخارج، وتحظى بثقة ودعم كبيرين.
هناك من يقترح تقليص مجلس القيادة الرئاسي إلى رئيس ونائبين من غير الشخصيات التي يتكون منها المجلس حاليا بسبب "المحاصصات والنزعات المناطقية لبعض أعضائه، وسوء أدائهم وفشل تجربتهم، كما يرى البعض".
الأبعد من ذلك، ثمة من يطالب بعودة الرئيس السابق "المنتخب" عبد ربه منصور هادي برغم كل "إخفاقاته التي اقتضت استبداله بقيادة أكثر ضعفا منه" أملا في إيجاد قيادة جديدة تحت رئاسته، أكثر كفاءة.
يعتقد كثيرون أن جماعة الحوثي لا تزال "بلا عقل سياسي" خاص بعيدا عن إيران، ولا تدرك بعد كل التغييرات التي شهدتها المنطقة برمتها وأن دورة جديدة في التاريخ بدأت بالفعل، وأنهم، بالنتيجة وبحكم تركيبتهم المذهبية والتنظيمية، غير قادرين على التحول من "مشروع حرب" إلى الاندماج في مشروع دولة يصبحون جزءا منها، ويعيشون ويتعايشون مع غيرهم من أبناء وطنهم وجيرانهم والعالم في أمن وسلام.
تلك في الواقع هي مشكلة أغلب الجماعات العقائدية التي يختلط عندها الدين بالسياسة، والأكثر خطورة من ذلك أن يضيف القائمون على ذلك فكرة الاصطفاء السلالي، ويعتقدون أنهم الأجدر بتفسير الدين ومقاصد الرسالات السماوية وفق تصورهم الخاص للتاريخ، وبأنهم تبعا لذلك هم وحدهم الأقدر على التفكير في مصالح الأمة ومستقبلها أكثر من الأمة نفسها.
ماذا بعد؟
تعالت في الآونة الأخيرة أصوات كثيرة ترى أنه لن يكون هناك غيرُ حل وحيد للنزاع اليمني، يكون يمنيا بالأساس، إما حربا ببنادق اليمنيين فقط، لا بأسلحة الآخرين المتطورة ودون تدخلاتهم، وإما سلما بالعودة إلى طاولة الحوار، والرجوع إلى ما كان قد تم التوصل إليه عام 2012 من شكل للدولة الاتحادية بأقاليمها الستة المتفق عليها ودستورها وقوانينها الناظمة، الجزء بالكل والكل بالجزء.
ما عدا ذلك ليس سوى الضياع وتحلل الدولة والمجتمع، حيث لا يمكن لأحد أن يكون لوحده أو الطغيان وفرض إرادته على أحد.
نقلا عن مجلة "المجلة"
صنعاء مدينة مغلقة!
نبيل شمسان محافظ بلا ضمير
حفلة تخرج أم حفلة "ردة"؟!
ضحك تحت الضغط.. قصة من شوارع القاهرة