الجمعة 29 مارس 2024
اتصل بي بعد خسارته اثنين مليون دولار
الساعة 04:03 مساءً
جمال انعم جمال انعم

اتصل بي ذات مساء يطلب مواساته عن خسران ٢مليون دولار فكتبت اليه :

*نحن نتعلم بقدر ما نتألم

إلى صديقي لحظة شعورٍ بالخسران

 

قل لي كيف تنظر لهذه الخسارة , وأي أفكار و مشاعر تصارع , وأي سبل تتلمس للمواجهة أو الفرار , كيف ستتعامل مع الأمر، بحيث لا تعاظم خسارتك , وما الذي يمكن أن يعزيك أو يسليك في مواقف كهذه؟, يصعب الكلام ويأخذ الحزن مداه , لست أدري ما الذي يمكن أن يقدمه بائس مثلي يقعده الأسى عن المواساة , قل لي من أين آتي خسارتك وكيف أنبش في وجعك بحثاً عما يخفف ألمك , بل كيف أطفئ بعضاً من الحسرة اللاهبة بماء الكلام ,كيف أبتني لك صرحاً من العزاءات وكيف أشيد داخلك مشاريع أمل , وافتح دونك أبواب رجاء لا تحد؟ . هذا أنا صرتي كلمات خاوية , مفلسة , مسكونة بخسارات عمر , حقير وفقير , لم أنج فيه من الخسارة ولا ربحت من تجارة . أرى أننا أحياناً بحاجة لنتألم بصورة كافية كي نتعلم , كيف نتجنب قدر الإمكان السقوط السهل في مزيد من التجارب المؤلمة , البطولة قد لا تكون في تحمل الخسارة , بل في تحاشيها , لأننا ساعتها نملك الخيار في حين نكون مجبرين على تحملها حال وقوعها وعلى نحو قاسٍ ومضنٍ ومكلف . نحن نتعلم بقدر ما نتألم ,نكسب من خسائرنا عندما نجربها بحق , ونعيش مرارتها الى الحد الذي يجعلنا نحاذرها كما نحاذر السموم القاتلة . الندم ليس الخطأ الثاني الذي نقترفه كما ذكرت , الندم مطهر ضروري للروح , يحرق فينا بواعث الخطيئة ونوازع الذنب , ولكي نصح لابد أن يكون ندماً صادقاً يستبطن الشعور الحاد بثقل المعصية . ما هو مهم أن تملك القوة والوعي واليقين وأنت تعرض نفسك لهذا اللهب , حتى يكون شفاءً ودواءً يحرق الضعف والقصور دون أن ينال من العزم والثقة بالنفس والإيمان بالله قبل ذلك . لا خوف من التجارب المؤلمة والموجعة إلا على الضعيف الهش , ما لا يقتلني يقويني كما قيل .

حياة الإنسان صراع من أجل الكسب بمفهوميه السلبي والإيجابي , كفاحٌ ضد الخسران , ومشكلتنا أننا قلما نستفيد من الخسارات , الكل يريد تجاوزها بسرعة , يود نسيانها , لا أحد يحبذ التحديق طويلاً في وجه ارتكاساته , تقليب الخيبات وتأملها يحتاج إلى احتمال وصبر ,كي تتعلم من فشلك يتوجب عليك التفتيش عميقاً في حياتك وأدائك ومساءلة نفسك , الكل يعمد للقفز مسرعاً وتجاوز العثرات والسقطات بأسرع ما يمكن , ولهذا تتكرر ربما الإجهاضات , تتوالى النكبات والخسارات وثمة من يحمل خساراته معه لايتخلص منها أبداً . في القرآن والسنة يبرز مفهوم المحو , محو الخطايا والذنوب محو السيئات «وأتبع السيئة الحسنة تمحها» كي لا يحمل الإنسان ذنبه معه , كي لايدع سيئاته تستحوذ عليه وتتملكه , كي لا تسكنه عقدة الذنب , وكي يظل متخففاً قادراً على المبادرة لفعل ما هو خير ,لا يتركك تسكن في الخسران , ولا يترك الخسارات تسكنك , إن من نعم الله التي أعطاها للمؤمن قابلية الحسنة لإزالة السيئة ومحوها , تأتي فكرة المحو في القرآن للتخفيف من الإرث السالب . صراعك قائم على محو الركام ،وأسوأ ما تفعله أن تحمل الخسارة داخلك , أن تجعلها كسبك كما قال تعالى «بلى من كسب سيئةً وأحاطت به خطيئته» ثمة من يصير الخسران مكسبه من الحياة يقتات عليه يعممه نقماً وغلاً وعدوانية وسخطاً تشاؤماً وسوداوية , ثمة من تحطمه الخسارة , فلا يفعل شيئاً سوى أن يعاظم الخراب داخله وخارجه .

* نشر في الجمهورية عام٢٠٠٨ على الأغلب


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار