الخميس 25 ابريل 2024
أنا أسكن في البيت الأبيض!
الساعة 03:15 مساءً
فكرية شحرة فكرية شحرة

كلما سألني أحد أين تسكنين يا أستاذة أرد بهذا الجواب.
صاحبة البيت المسنة والتي تشبه أمي حد الحنين عمدت إلى طلاء جدران البيت الخشنة بطلاء شديد البياض يشبه النورة..
كل شيء في الشقة القديمة جدا طاله البياض بإسراف؛ الأبواب والنوافذ الخشبية المتآكلة وحتى زجاج النوافذ المشجر ناله اللون بصورة تؤكد أن طمس القبح والقدم يحتاج إلى مغامرة مجنونة فقط.
كل شيء يسبح في البياض حتى السقف والأرضية ببلاطها الأبيض الجديد.
وزد على ذلك أني غيرت الإضاءة إلى اللون الأبيض عوضا عن الأصفر الذي كان موجودا وأنا لا أحبه من صغري.
وفيما عدا العري الفاضح للبيت من الأثاث فأنا أعيش في البيت الأبيض..
لم ترقني ملاحظة جاري القديم عمر حين قال أن الشقة أشبه بالمستشفى لبياض كل شيء فيها..
فالبياض هو اللون الأكثر صراحة ووضوحا لن يخفي أي لطخة تشوه هذا البهاء.
ثم أني من أولئك الذين يرون بيوتهم مشافي لأرواحهم المتعبة من الخارج ومن مصادمة علل الناس وأجد انعزالي فيه استجمام وراحة من كل وجع. 
كما أني أحب البيوت القديمة الحميمية التي تحمل عبق التاريخ وخطوط الزمن؛ إنها تشبه علاقة حب ضاربة الجذور في قلب السنوات لا يغيرها هجر أو يهزها بعد.
وهذا البياض الذي رممت به الشقة ليس عملية ميك آب لعجوز كثرت تجاعيدها وشروخها حتى يبدو قبيحا في عيني بل هو نور وضياء لمسنة على سجادتها تواظب على السجود في صلاتها على أن لا يفكر السقف في السجود فوقنا إذا أدركه الخشوع.
في الشقة تفاصيل وأسماء وأشياء أفتقدها قلبي في تلافيف الذاكرة..

وفيما يشعر أولادي بغرابة الأبواب ومصاريع النوافذ ومغاليقها أتلمسها أنا بحنين وأنا أتذكر بيتنا القديم ويسرح خيالي في بيت القرية بأبوابه الخشبية الضخمة حين كنا نغلقه بالهندراب فنشعر أننا حجزنا العالم كله خلف الأبواب.
ابتسم وأنا أثبت النوافذ بالرزّة كي لا تضربها الريح فيتطاير زجاجها المصبوغ بالبياض. 
أحيانا نحتاج إلى رزّة مشابهة توقف ثقتنا وحسن الظن بالآخرين كي لا تطايرها الخيبة كالزجاج.
أفكر بزراعة المشقر والنعناع في بلكونة الشقة وأتذكر أنني عابرة حياة لا تستقر قد تغادر إن عجزت عن الاستمرار.
 نغادر دائما الأماكن التي نحبها حين تعجز حيلتنا عن البقاء فيها !!
ما زلت أحلم ببعدان التي ولدت فيها وتشربت حبها  أحلم أن أسكن في أعلى جبل هناك لا يفصلني عن السماء سوى الأحلام.
#نصوص_فكر_الخاصة


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار