الاربعاء 4 ديسمبر 2024
الهاشمية كدِين
الساعة 09:08 مساءً
سام الغباري سام الغباري

 

اخترعت الهاشمية  كل شيء داخل الإسلام: الولاية، المذاهب، الطبقية، الثورة، التشيّع، الوصاية، العرقية، الفلسفة الثورية، الإمامة.
حتى السُنّة، كتب الأعاجم الذين صاهرهم الحسين بن علي كثيرًا من نصوصها، وفقد العرب وقتذاك زمام المبادرة الفكرية والثقافية ومنهج علم الكلام! 
وخلال قرون تحوّلت الكتابات التراثية القديمة إلى نصوص دينية مقدسة، فصار نصيب الهاشمية منها الكثير، وقد برعوا في تأليف التاريخ، وتدوين القصص التي تمُجّدهم في المستقبل، ليقبضوا من وراء سطورها على رقاب المسلمين بالقداسة الدينية.
قليلون قاوموا التاريخ الهاشمي على الصعيد الديني كابن حنبل وابن تيمية، وفي العصور المتقدمة كان أبو الحسن الهمداني، ونشوان الحميري، ثم الشوكاني، ومحمد بن عبدالوهاب، والجابري، وفرج فوده، وطه حسين، وغيرهم، إلا أن أمثالهم تعرضوا للتشنيع، إن لم يكن على أيدي الهاشميين فعلى أيدي نظرائهم في الجماعات الإسلاموية الأصولية المختلفة.

بدأت الحكاية في اجتماع "السقيفة" المفاجئ وإقرار المجتمعين انتخاب أبوبكر الصديق خليفة لرسول الله ﷺ الذي لم يمض على وفاته سوى ساعات قليلة، ما أدى إلى إيقاف استكمال البيعة لـ "سعد بن عبادة" واستبعاد علي بن أبي طالب من قائمة المرشحين الأربعة "ابو بكر وعمر وعبيدة وبن عبادة" لتواجده خارج موقع المفاوضات، ثم دعوته أنصاره لبيعة أخرى في منطقة تُسمى "حجر الزيت" لكنها لم تلق استجابة مماثلة تُمكّنه من تعطيل بيعة أبي بكر بما يفرض جولة "انتخاب" جديدة قد تنتهي لصالحه، وما تلى ذلك من رحيل الخلافة إلى "عُمر بن الخطاب"، ثم إلى "عُثمان بن عفان" بصوت ذهبي رجّحه عبدالرحمن بن عوف، حتى أقبلت أحداث الربيع العربي الأول تُطل بقرنيها وتحشد لتظاهرة "سلمية" لإسقاط عثمان انتهت بمقتله وتولية "الثائرين القتلة" لـعلي بن أبي طالب إمارة المؤمنين، لكن القتال اندلع حارًا بدم تجاوز أرقامًا فلكية لإثبات شرعية الخليفة الجديد في مواجهة جيش معاوية بن أبي سفيان الغاضب من عدم القصاص لعثمان وتقديم المجرمين إلى العدالة، وبتعرض "علي" للاغتيال ثارت موجة التعاطف التي نقلت الحُكم لنجله البكر "حسن" فدفعها بدوره بعد أشهر إلى "معاوية" لقاء اتفاق سلام يحقن دماء المسلمين، ولأن كل شيء لا يبقى على حاله، قضى معاوية على النظام القديم، فدعى لحُكم نجله يزيد، مما دفع الحسين بن علي إلى استشعار المنافسة، ورفضه آلية توريث عائلية تُلغي مفهوم الانتخاب وتجعل انتقال الحُكم ملكيًا بالوراثة، ولكنه لم يُقدّم نظرية أخرى وأجاب معاوية بقوله: " أنا خيرٌ منه وأبي خيرٌ من أبيه وأمي خيرٌ من أمه وجدّي خيرٌ من جدّه"، ثم خرج إلى كربلاء وهناك قضى بسيوف الخليفة الجديد ما أثار التعاطف الثاني بصورته الأشمل متجاوزًا المكان والزمان، وهو تعاطف كرّسه الوعي الهاشمي لإدانة أي نظام لا يمنح الهاشميين فرصتهم الدائمة في السُلطة!. 

بدأت موجة التعاطف الإنساني الآسر لمقتل الحسين بن علي  كوسيلة لاستحضار موجة عنف مضادة اختلف فيها فريقان بين معاتب لموقف الحسين، ومتطرف في لعن يزيد بن معاوية، وقد أثارت تلك المظلومية حالة من العقد النفسية لدى الهاشميين الذين أرادوا الانتقام من روح وصفوها بالظلم والطغيان، فتحولت المظلومية إلى أداة عنيفة للظلم والقمع والإرهاب، وبدأ الهاشميون في استغلال الدم الحُسيني بقبول محمد ابن علي بن أبي طالب تحركات المختار الثقفي الانتقامية تحت راية "يالثارات الحسين" وملاحقة كل قتلة السبط الشهيد وإعدامهم وحرق بعضهم أمام العامة. 

شكّلت موجة الإعدامات الوحشية حالة إرهاب استغلها الطامحون للسلطة برفع قميص الحسين، حتى إن المختار الثقفي الذي تنبأ به رسول اللهﷺ ووصفه بـ"سفيه بني ثقيف" اعترض على المطالبين بوقف حملته الثأرية قائلًا: أعيدوا لي الحسين حيًا!، وسرعان ما خسر المختار أمام جيش مصعب بن الزبير- صهر الحسين - وانتهت بمقتله أحلام أول حُكم "متشيع" للعائلة العلوية الأولى، ليس على يد الأمويين هذه المرة بل بأيدي الزبيريين.

في ظل هذه الفوضى الثأرية تظهر صور جديدة من المناطق الفارسية تنتسب إلى الحسين، وتدعو غير مرة إلى الثورة على النظام الأموي، ثم العباسي، ويتكاثر الهاشميون على هيئات مُلونة: أشقر من الشام، وأسود من السودان، وقمحيّ من اليمن، وأبيض من طبرستان، وأفطس من الصين، ,وأزرق من خراسان! كلهم هاشميون!،وفي جلابيبهم تسكن مخطوطات من رق الغزال تشرح اتصالهم بنسب علي بن أبي طالب!

شرعت أنظمة التوريث الهاشمية في الترويج لشرعيتها باسم الحسين والأسباط والعائلة، ومساهمة منها في إثارة الحُزن، وتقديم مظلومية منسوبيها على الدوام، تقفز فكرة أكثر خطورة ودفعًا لأعمال الرفض والعنف، تحصر الحُكم في سُلالة البطنين "الحسن والحسين"!
وكنوع من التأييد الفقهي، جعل الشيعة الجعفريون ولاية البطنين في أئمتمهم ركيزة الإسلام قبل تلاوة الشهادتين، وزاد عليهم "يحيى حسين قاسم طباطبا" أن جعل الحُكم مُشاعًا بين الهاشميين القادرين على الولاية وحدد لهم أربعة عشر شرطًا ، فعل ذلك منذ أول يوم أخضع فيه اليمنيين بحرب مُدمرة قادها بمساندة جيش من الطباطبائيين الفرس، مستدعيًا دم زيد بن علي والحسين وكل الهاشميين الذين لقوا حتفهم لأسباب تتعلق بالثورة على الأمويين والعباسيين. 
تدخلت السياسة وامتزجت الأطماع وتكاثر الهاشميون بفزع أثار التساؤلات حول انتمائهم العرقي الحقيقي، وفي كل موقعة تبرز الهاشمية كنظام حُكم لا يرى حقًا لمخلوق في الرئاسة أو المُلك دونهم، ذلك سيجعل "الحسين" مبتسمًا في فردوسه وفي عينيه دمعة فرح بنيل أحفاده ما حُرم منه بالسيف والدم.

في غرة عام 1979م ظهر آية الله موسوي خميني بعمامته السوداء في مطار طهران قادمًا من باريس، كانت تلك بداية دورة جديدة للهاشميين المتطلعين إلى السلطة، وقد تعهد خميني بتصدير ثورته إلى العالم الإسلامي، وذلك يعني أنه متحمس لدعم القيادات الهاشمية في العالم العربي على وجه التحديد، مقابل إعلانهم الولاء لولايته الدينية الاستعمارية كنائب للمهدي المنتظر!

صارت للهاشميين دولة ثرية تنام على بحر هائل من النفط، ومخزون بشري ضخم من الشيعة المُستفزين والمتطلعين إلى سيادة كاملة على المنطقة، وهنا تناقضت هاشمية الملك الأردني الذي توزع أجداده على رأس بعض الدول العربية والحجاز قبل انحسارهم إلى نهر الأردن، مع تطلعات الهاشمي الإيراني "خميني" الذي أعلن استعداه دفع فاتورة "الثورة " على الحُكام العرب، وبلوغ "مكة"، لولا أنه واجه صدام حسين في حرب الثمان سنوات المريرة، حتى وافاه أجله، فصعد هاشمي آخر على سدة الولاية في طهران اسمه علي خامنئي سائرًا على نهج سلفه المؤسس، واستمر دعم طهران للميليشيا الهاشمية في لبنان واليمن، حتى صار حسن نصر الله الحاكم بأمره في لبنان، وسقطت عاصمة اليمن في يد هاشمي آخر يدعى عبدالملك بدرالدين وهو النسخة المقلدة لأمين عام حزب الله اللبناني الذي قبض انتصارًا زائفًا أهداه الكيان الصهيوني بانسحابهم من مزارع شبعا اللبنانية أواخر عام 2006م.
الباعث الديني للهاشمية مصدر إلهام في حشد الأنصار الذين يُعاد إنتاجهم  ليصبحوا "شيعة" بالمفهوم الشيعي الصرف، أو سُنّة تمتلئ كتبهم بنصوص تحصُر الحُكم في قريش وحدها - رغم تعطيل تلك النصوص حاليًا - إلا ان المكانة الدينية لهم ما تزال حافلة بالتوقير في نفوس المسلمين العاديين، ومنهم أولئك الفتية المًندفعين إلى سلوك طائش ومُدمر على بلدانهم، ولا يدركون إلا متأخرين أنهم قاتلوا شعوبهم، وسحبوا من رصيد أوطانهم، وتقدمهم الكثير خدمة لتأثيرات السحرة والمشعوذين الانتهازيين.
حصدت الهاشمية جائزة اسمها "صنعاء" في عملية تضليل واسعة لم يسمع بمثلها اليمنيون في تاريخهم، بدأت من الكهف في 2004م، واستقرت في جوف عاصمة اليمن بنهايات العام 2014م حاكمة على رأسها وسلطتها، أربع سنوات فقط بعد انقضاء آخر حرب أدارتها السلطة عليها في 2010م، حتى أصبح عبدالملك بدرالدين قائدًا لثورة هاشمية دينية تُنشر صُورهُ على أغلفة الصفحات الرسمية للنظام الجمهوري!

كان ذلك انقلابًا رهيبًا أداره الهاشميون من داخل المؤسسات العسكرية والإدارية والإعلامية بحسم أدى إلى تطبيع كل المسارات الدعائية لصالح إمام جديد يرتدي ملابس اليمنيين، ويتحدث مثلهم، ويُطعّم عباراته بمفردات الكفاح المسلًح، والنضال الوطني على الفساد، حتى إنه استنهض بتلك الأفكار البالية دُعاة اليسار الثوري، لما للحركات الجماهيرية من تبادلية تستثير المصابين بفيروس الثورية من أقصى الأرض إلى أقصاها، غير أن ثورة عبدالملك بدرالدين كانت شيئًا غائبًا عن الثورية الجيفارية الشهيرة، لقد كانت ثورة باطنية اهتزت لها أفئدة الهاشميين من المهرة إلى صعدة، وتداعى لها سائر الجسد الهاشمي بالثورة والنفير من عمق كل مؤسسة حكومية مدنية وعسكرية.
في الخطابات الأولى للهاشمية الدينية التي عبّر عنها عبدالملك بدرالدين أظهر نفسًا عنصريًا مُعلنًا، سارع أصحابه إلى تبريره أنه لا يُلزم أحدًا، وقالوا إنها كتلك الخطابات التي يرددها رجال الدين السلفيين أو الإصلاحيين، وهي ليست مُلزمة لأي يمني لا يجدها مقنعة له، غير أن خطورة ذلك الخطاب استناده أساسًا إلى جزء من عملية إحياء "الزيدية" في الوعي الباطن للقبائل اليمنية التي نشأت على وضع آخر لم يعد زيديًا في مفاهيمه الفقهية الناضحة بالاستعلاء والعرقية المناقضة للهوية اليمنية بأشدّ التناقض والعداء.

كشف عبدالملك بوضوح عن سر ليس مستورًا، ويعرفه اليمنيون الذين وقفوا عاجزين أفرادًا وجماعات ومعسكرات وأحزابًا في مواجهة حازمة لتطرف بشع أخرج قرنيه من عمامة الشيطان السوداء. إنه سر الهاشمية التي لعبت بالسياسة والعهود كما عبثت بالتأويل والتفسير والمقدسات، وكان العارفون بما يجري صامتين في خجل يدّعي الحداثة والاستقلالية. حين اُبلغ الجيش بالحياد كان ثلة من الهاشميين العنصريين يطوفون على القرى وهي آمنة مطمئنة، فتصبح كالصريم، تبدأ الحيلة بإلقاء الهاشميين الطُعم إلى شيخ القبيلة فيرتد غضبه بنزاع يبيح للهاشميين حصار القرية بذريعة الدفاع عن انصارهم المستضعفين! ثم تتدخل الوساطة القبلية المكونة من شيوخ اشتراهم الحوثي بماله، ودفع لهم نفقاتهم، وأمّنهم بفرق مدربة من المرافقين الذين يتبعونه، وأمثال أولئك المشايخ من الذين فقدوا طموحهم في النفوذ أمام غلبة مشايخ كبار كآل الأحمر والشايف، فاستخدم الهاشميون طموحاتهم وجعلوا على أكتافهم مشرفين هاشميين خبراء بالتعقيدات الاجتماعية يوجّهونهم بالحل والقول والاقتراح، فيبدأ الصلح، فتخفت حماسة الشيخ المقاوم، وينصرف عنه أتباعه، فينقض عليه الهاشميون الحوثيون بالسلاح والبطش في لحظة اطمئنان وثقة بالعهد المكتوب بينهم، ويختفي الوسطاء، فيعبر الهاشميون القرى العنيدة على جثث أصحابها، ويحتالون بذات الطريقة على الكتائب العسكرية، ويقفزون هكذا من العقبات بالخدعة والعقيدة، حتى إذا صاروا على اعتاب صنعاء لم يُفرقوا بين شيـخٍ وأرملة، أو طفل وعابر سبيل، قتلوا أكثر من 623 مواطنًا وجنديًا على تخوم المعسكر الغربي للعاصمة، وانطلقوا من أمام معسكرات الحرس الجمهوري التي أعلن قادتها حيادهم المُر نكاية بانشقاق من سبقوهم إلى المواجهة في 2011م، ولما استوى الأمر للهاشميين في صنعاء، خرجوا من أوكارهم وبيوتهم وأعلنوا إسقاط المؤسسات من الداخل، حدث ذلك فيما كانت الحكومة تنتظرهم طوال يوم كامل بداخل قصر الرئاسة لتوقيع اتفاق سلام مُذل، وعقب التوقيع غادر الغزاة إلى المدن بمدرعات عسكرية لإخضاعها، وتكرر سيناريو صنعاء بخروج "المجاهدين" من منازلهم لتجربة أداء يقال لها"دورات ثقافية" يتعرض فيها المستهدفون لعملية غسل دماغ واسعة، ولم يُستثن من هذه الدورات أحدٌ من الموظفين الحكوميين، أو القيادات العسكرية، وهي دورات مذهبية شديدة التركيز على محطات الموت الآسر القديمة، وما تمثله الهاشمية كوسيلة أخيرة تُبقي الإسلام قائمًا متحديًا هجمات الملحدين والحاسدين والمبشرين! ومن أجل ذلك لا يبقى لكائن عذرًا إلا التمسك بـ "مصابيح الهدى" حتى يخرج المسلمون من النفق الأسود. 
لكن المسلمين لم يفكروا أن الأئمة العنصريين أشد حرصًا على إبقاء شيعتهم وأنصارهم مُغرقين في دموعهم حتى يأتي المنتظر، يومها سيفرحون، لكن القيامة ستُدركهم وتنتهي الأرض ويبدأ الحساب وما سمحوا لأحد بالفرح والمرح والملك والرئاسة!.

ناقشت الهاشمية تفسيراتها المزاجية للقرآن لإبقاء حالتها ووصفها وأسرتها وعائلتها وسلالتها في الآيات الأكثر قداسة في عيون المسلمين، وقالت عن الله ما لم يقله سبحانه، وجعلت من طبيعتها الميليشاوية المتكررة شيئًا مشابهًا يؤوّل القرآن برغبة عرقية لتقول إنه من عند الله، وهو التأويل والبحث الذي نهى عنه الله وأنكره بالقول في محكم كتابه الكريم: "هو الذي أنزل عليكَ الكتاب منه آيات محكمات هُن أم الكتاب وأُخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله".ويقول الله سبحانه أيضًا: "وإن منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وماهو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وماهو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون". وفي ردهم على هذه الاحتجاجات القرآنية الصريحة يُصر الهاشميون الحاذقون على اقتياد الآلاف من وظائفهم ومنازلهم لإقناعهم بولاية دموية، فيعصبون أعينهم وتقودهم سيارات مجهزة بالانتقال إلى أكثر من موقع في أدغال قرى نائية، ويجتمعون في أقبية إحدى البنايات المحاطة بحراسة مكثفة إلى عدد من "المشرفين الثقافيين" الذين يجاهدون في إثبات الزُهد والورع والعمل الصالح، وهم يمارسون أصلًأ أعمالًا قسرية وتعسفية وحملة إغواء حمقاء لإقناع أناس تم اقتيادهم بالقوة وتحت تهديد الفصل الوظيفي، ليتعلموا كلمات عن العدالة والثورة الحسينية ووجوب مقارعة الطغيان ومنازلة قوى الاستكبار العالمي! بينما يتجسد الاستكبار شاخصًا في الهاشمية اللهبية التي تقطع الطريق، وتُسكت صوت الناس، وتمارس الإرهاب، وتصادر الشرع الجماعي للأمة، في محاولة لطمس الشورى في حياة الناس، ومحو الهوية اليمنية بكل أبعادها الوطنية والتاريخية وجذورها العربية الأصيلة.

في مثل هذا الزمن الرديء، يتسلل الهاشميون بإصرار وعناد لتلقين المصلين في كل منابر الجوامع ذات الأفكار المتناقضة عن قيمًا لا يحملونها، ومبادئ لا يعترفون بها، مُثلًا لم يسمعوا بها، في تعبير أعور عن دينهم المخبوء الفاقد لشرعية الحق والشورى ورضا الناس، القادم من أوهام العظمة وجنون الإصطفاء العرقي، وهوس المؤامرة، ولأنهم عرفوا إنكار المجتمع ورفضه طبائعهم.
برز العنف خيارًا وحيدًا لإدارة معركتهم الدينية، وإخضاع المعارضين، وملء السجون بالمخالفين المتهمين بالزندقة والنفاق، ذلك يعني أن نظامًا بالياً اخترق الزمن كرصاصة طائشة انطلقت من القرن السابع الميلادي ونفذت من قلب القرن الحادي والعشرين حتى استقرت في صدر صنعاء!.

أغار الهاشميون على الجامع الذي هو أساسًا "بيت الله" وليس بيت الدولة، أو الجماعة، أو العائلة، ولا حتى بيت النبي ﷺ، وعلّقوا لافتة على بابه مكتوب عليها "جامع الشعب"، والشعب جائع ومقهور ومُطارد وممنوع من الحديث، ودارت وفق تلك الرؤية أحداث قمع وتنكيل وإرهاب، وعمليات تصفية انتقائية لم يُحاسب عليها أحد كأنه عقال بعير منفلت، ولا يُقاد المجرم أو القاتل منهم إلى العدالة لأنهم أصلًا كتائب موت دُرًبت على انتزاع الحياة منذ نعومة أظافرها.
الهاشمية التي تربت على شعار "أنا خيرٌ منه" وجسدته في 10.567 تمردًا على مدى ألف عام في مختلف الدول الإسلامية، وعلى مختلف الحُكام، وطيلة الأجيال القديمة، وفي عصور الانحطاط والعصور الوسطى والمعاصرة على هيئة معارك صغيرة أو كبيرة، أو خيانات كُبرى بُمعدل سنوي يصل إلى 15 تمردًا علوياً أو هاشمياً، أو حدث مسلح مناصر لهم منذ مقتل الخليفة عثمان بن عفان حتى اليوم. أحدثت هذا الهوس الذي لا يموت، وفي حرب اليمن وحدها، ما يربو على 3.456 معركة منذ معارك صفين والجمل والنهروان ، مرورًا بغارة إبراهيم الجزار على شمال اليمن مدعومًا بمرتزقة من أقاربه الطباطبائيين في طبرستان، بما تخلل تلك المعارك من فتن نزغها الهاشميون الفارسيون بين القبائل اليمنية من جهة ومعارك بين الأئمة العنصريين وعائلاتهم على أحقية الإمامة المزعومة من جهة أخرى، رغم أنهم جميعًا كما يسلفون من بطن واحدة، وفخذ واحد، إلا إنها كانت حالات إعدام بشعة، أكثرها وأوجعها وأعنفها هي معارك الهاشميين اليوم على اليمن بكامل ترابه الوطني، وعلى العالم العربي بتكويناته العربية العشائرية، وممالكه الحضارية الأصيلة.
إن اليمني الذي جاء إلى النبي محمد صلوات الله عليه ومد يده لمصافحته ناطقًا شهادة التوحيد، يواجه بعد قرن ونصف القرن من خطبة الوداع رجلًا مُحاطًا بآلاف الجنود عند أول خط حدودي لليمن زاعمًا أنه ابن  النبيﷺ ينادي بشهادة أخرى تقوم على أن عدم الإيمان بولاية علي بن أبي طالب ونسله حتى تقوم الساعة على المسلمين جميعًا تعني أن الإيمان بنبوة محمد ناقصة، وأن الإيمان بالله ناقص أيضًا! بل ربطت الإيمان أصلًا بالخضوع المطلق لإمامته على اليمن.

أجاب اليمانيون قديمًا، كما يجيبون اليوم وغدًا: إنها أضغاث نبوة وأوهام رسالة، وأن ما يدعيه الهاشمي الطبرستاني دين آخر، ونبي آخر، ورسالة أخرى، وإله آخر، وقرآن جديد. أشياء لم يألفوها ويعرفوها، وسيبقى اليماني كما كان قبل أن يصطفي الله آل ابراهيم موحدًا على مبادئ الرحمانية التي ألقاها جدّهم هود عليه السلام في أبنائه وأحفاده حتى تقوم الساعة. 

نقلًا عن كتاب #القبيلة_الهاشمية


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار