آخر الأخبار


الجمعة 2 مايو 2025
منذ القدم كانت هناك علاقة بين الدين والجين، بين الديانات والقوميات، وهذه العلاقة تنشأ مع الزمن، عندما يتحول الدين الروحي إلى مؤسسة قومية، وتتحول الديانة القِيَمية إلى أداة سلطوية، تُوَظَف حسب المصالح السياسية، والمنافع الاقتصادية.
وقد شكلت بعض الديانات نماذج واضحة للعلاقة بين الدين والجين، حيث اختُصِر الدين في الجين، وأعيد إنتاج الرسالات في السلالات، كما هو الشأن في الديانات القومية المرتبطة بالأعراق، مثل الهندوسية واليهودية، وكما يظهر في مذاهب بعض الديانات الأخرى المتأثرة بالتوجهات العرقية، مثلما تعكس تسمية «الكاثوليكية الرومانية» التي حاولت «رَوْمَنَة» المسيحية، وكذا «التشيع الصفوي» الذي حاول «تفريس» الإسلام.
وبالحديث عن «المسيحية البيضاء»، فإننا نتحدث عن ديانة الإمبراطورية الرومانية والممالك الأوروبية التي ورثت تلك الإمبراطورية، هذه المسيحية التي انعكست – فنياً – في تصوير المسيح على هيئة رجل أبيض البشرة، أشقر الشعر، أزرق العينين، رجل روماني أوروبي، لا يرتبط بالشرق، ولا بفلسطين التي ولد وترعرع فيها، حيث يختفي «المسيح الناصري»، ويحل محله «مسيح روماني»، لا علاقة له حتى بالإسرائيليين الذين ينتسب إليهم، والذين هم في الأساس شعب شرقي، قبل أن تعمل الأدبيات الأوروبية على إعادة إنتاجهم – ضمن سياسات موجهة – ليكونوا ضمن التراث الأوروبي الأبيض، رغم كونهم شعباً سامياً لا علاقة له بأوروبا والعرق الآري. ومع التحول من «المسيح الناصري» إلى «المسيح الروماني»، تحولت الديانة من «مسيحية ناصرية» إلى «كاثوليكية رومانية»، أصبحت ديانة الإمبراطورية في القرن الرابع الميلادي، بعد تاريخ من الاضطهاد الروماني الرهيب للمسيحيين.
انعكست ـ إذن ـ التوجهات العرقية المرتبطة بالمصالح السياسية والمنافع الاقتصادية، داخل الكنيسة الكاثوليكية، وظل التأثير الروماني على التوجه المسيحي سائداً، بفعل قرون من التأثير الإمبراطوري التوسعي على الأبعاد الروحية واللاهوتية للمسيحية التي أطلق عليها «رومانية»، في انعكاس لمحاولات ربط الأديان بالأعراق، الأمر الذي نتج عنه آيديولوجيات دينية بمحتوى سياسي عصبوي، يخلو من الأبعاد الروحية، ويخدم المصالح العرقية والقومية للدول والإمبراطوريات التي استخدمت الأديان لأغراض سياسية واقتصادية.
وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى أن «حركة الاحتجاج» التي فجرها القس مارتن لوثر في ألمانيا، والتي نشأ عنها المذهب البروتستانتي المنشق عن الكاثوليكية، هذه الحركة لم تكن دينية خالصة، قدر ما كانت في بعض تجلياتها ضرباً من التمرد على السلطة السياسية للبابا، أو لنقل محاولة للخروج عن السيطرة القومية للرومان، أو لجنوب أوروبا على التوجهات المسيحية، الأمر الذي جعل القارة تنقسم دينياً تبعاً للاختلافات العرقية بين شمالها البروتستانتي، خارج سلطة البابا، وجنوبها الكاثوليكي، حيث نفوذ الفاتيكان.
وبالعودة للكاثوليكية التي تعد المذهب الأكبر داخل الديانة المسيحية، نشير إلى أن رأس الفاتيكان ظل أبيض اللون، على مدى قرون طويلة، وظل الكرسي الرسولي مشغولاً ببابوات أوروبيين بيض، في انعكاس واضح للسيطرة الرومانية – بالمعنى الواسع للرومانية – على التوجهات الرئيسية في المسيحية، تلك التوجهات التي ميزت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، قبل أن يتقلد البابا الراحل فرنسيس منصبه، ليكون أول بابا يقعد على الكرسي الرسولي من خارج القارة الأوروبية، خلال أكثر من اثني عشر قرناً، وإن كان يمثل امتداداً «لونياً وعرقياً» لأوروبا «الرومانية» البيضاء، إن جاز التعبير.
ولعل لمجيء فرنسيس من خلفية أمريكية لاتينية أثر في الميول الليبرالية له، حيث عرف عنه تبنيه قضايا المساواة والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر والانحياز للبسطاء ودعم اللاجئين وضحايا الحروب، وتعضيد ثقافة الحوار وسياسات الحفاظ على البيئة، ورفض بعض المقولات اليمينية، مثل القول بـ«مبدأ الاكتشاف» الاستعماري الذي برر للغزوات الأوروبية للأمريكيتين وأفريقيا، حين كانت الكنيسة متورطة بشكل فادح في التمهيد للاستعمار، عبر إرسالياتها التي كانت تبشيرية في الظاهر، و«استعمارية» في الهدف، علاوة على دور الكنيسة في تجارة الرقيق، إما بالتستر عليها، أو بالانتفاع منها بشكل مباشر.
وإذا كان مجيء فرنسيس من خلفية غير أوروبية، قد أثر في اتخاذ الفاتيكان سياسات إصلاحية، فإنه وَلَّد ردة فعل محافظة داخل قطاع لا بأس به من رجال الدين، وإذا كان فرنسيس غير الأوروبي قد فتح الباب لـ«بابا» آخر غير أبيض فإن أفريقيا تطمح إلى جلوس «بابا أسود» على «الكرسي الرسولي»، بعد أن حاول فرنسيس زيادة تمثيل المناطق الهامشية في العالم ـ ومنها أفريقيا ـ في الفاتيكان، ما شجع الآمال بقيادة أفريقية سوداء لكاثوليكية رومانية بيضاء، خاصة وأن اثنين من الكرادلة الثلاثة الذين يُعتبرون منافسين جديين لشغل الكرسي الرسولي هما من أفريقيا، وهما: بيتر توركسون من غانا وروبرت سارة من غينيا.
وتعد مسألة وجود «بابا أسود» ضمن القضايا التي يتوقع أن يتم الحسم فيها بعد قرار «المجمع السري» المكون من الكرادلة الذين يحق لهم انتخاب البابا، كما أن قضايا أخرى ستكون محاور نقاش داخل أروقة الكنيسة، مثل «شِماسة» النساء، والسماح للمتزوجين بأن يكونوا رجال دين، والسماح للمطلقين والمتزوجين مرة أخرى بتقديم قرابين، وهي قضايا، وإن كانت تبدو في صميم الحقوق الدينية لكل الناس، لكنها لا تزال ضمن التابوهات الممنوعة، داخل الكنيسة الكاثوليكية.
وبعد، هل ستستمر كنيسة الروم الكاثوليك في النهج الإصلاحي الذي انتهجه فرنسيس؟ أم أن التوجهات المحافظة داخل الكنيسة ستتغلب على ذلك النهج؟ وهل سنشهد، بعد رحيل البابا «كاثوليكية أفريقية سوداء»، بعد قرون من «الكاثوليكية الرومانية البيضاء»، التي جسدت ارتباط المسيحية في ثوبها الكاثوليكي بالعرق الروماني/الأوروبي، الآري/الأبيض، على مستوى الاصطلاحات والمفاهيم، والأشكال والمضامين؟
هذا ما ستفصح عنه الأسابيع المقبلة والتي ربما تقرر خلالها الكاثوليكية ـ ولهدف معين – أن تعطي الكرسي الرسولي لأفريقيا السوداء، لتعطي انطباعاً بأنها منفتحة على تعددية الألوان والأعراق فوق كرسي «بطرس الرسول» في الفاتيكان، بعد قرون من احتكاره للأوروبيين البيض.
عن "القدس العربي"
شذرات من مشهد غير مفهوم
مسيحية بيضاء… كاثوليكية رومانية
الحوثي... مشروع كهنوتي كاذب قائم على الخداع والدجل.
عيد العمال اليمني: احتفال بدون عمل ولا رواتب ولا دولة
جاكيت جارنا
عن الصور والناس