الاربعاء 16 ابريل 2025
ماذا لو كان المذهب الشافعي احتلاليا؟!
الساعة 12:22 مساءً
فتحي أبو النصر فتحي أبو النصر


 

تخيلوا... فقط تخيلوا، لو أن المذهب الشافعي نهض ذات صباح وقرر أن يصير مذهبا احتلاليا. تخيلوا أن يأتي إمامه المتخيَّل، يوزع "صكوك نسب" على البسطاء، ويعلن أن الربّ قد خصه بـ"حق إلهي" على رقاب اليمنيين! 
تخيلوا أن يُشيَّد على أنقاض صنعاء جامعا فخيما يُدعى "الشافعي الكبير"، تتدلى من مأذنته فتوى: "الشافعية وحدهم ورثة الحكم، والبقية" رعايا بدرجة زيتونة".

لكن لا، هذه ليست رواية عبثية من زمن الظلام، بل هي مرآة لما فعله المذهب الزيدي الهاشمي بنا منذ قرون، ومع ذلك لم نُقابلهم بشيء مما تخيلنا. لم نغزُ صعدة، لم نحاصر عمران، لم نحرق كتبهم، ولم نغلق مساجدهم. فقط قلنا: نحن يمنيون، وأنتم كذلك، فكونوا كما نشاء معا لا كما تريدون وحدكم.

بينما هم — "أصحاب الحق الإلهي" كما يظنون — ما زالوا يحرفون الدين لصالح جيناتهم، ويحولون المذهب إلى مطية فوق ظهور البسطاء، يمشون بها نحو الحكم المطلق. 
هذا وهم أقلية عددية، لا تمثل أكثر من ربع اليمن، محاصرة بعشرات الجبال، بينما الشافعية يغطون ثلاثة أرباع البلاد: من الجنوب الأنيق حتى قمم وصاب، من تعز الحرة إلى مأرب الشموس، ومن تهامة السمراء إلى البيضاء الصامدة.

فمن الذي يُفترض أن يشعر بالغبن؟ من الذي يجب أن يكون جرحه نازفا؟ نحن،اليمنيون أبناء المذهب الذي لم يحمل سيفا، ولم يزعم نسبا، ولم يجعل من صحن الجامع صالة لعرض الخرافة.

ولكن لماذا لا يخطر لأحد أن الشافعية، لو أرادوا، لكانوا هم من أعلنوا "الحق الإلهي الجمهوري الديمقراطي العادل المتنور"، ولكتبوا دستورا سماويا يبدأ بعبارة: "بما أن الشافعية هم الأكثر، فهم الحكام إلى قيام الساعة"! لكنهم لم يفعلوا، لأنهم اختاروا الإنسان على حساب النسب، والعدالة على حساب الطبقية، والمواطنة على حساب السلالة.

والشاهد حينما نحلم بوطن، لا نراه طائفيا. نحن لا نقول "يا تعزي" أو "يا عدني" كما يقولون "يا هاشمي" و"يا سيدي". لا نبني مقاما على نسب، بل على فعل، على وعي، على كتاب مفتوح لا على شجرة نسب مغلقة.

ومع ذلك، كلما ارتفع صوت في اليمن ينادي بالمساواة، خرج علينا أحدهم من كهوف السلالة، يقول: "أنتم تكرهون آل البيت!" كلا يا سيدي، نحن لا نكره أحدا، لكننا نكره الظلم المغلف بعباءة الدين. لا نعادي آل البيت، بل نعادي ادعاء أحدهم أن البيت بيته وحده، وأن الوطن حديقة خلفية لنسبه.

ثم تخيلوا، مرة أخرى، لو فعل الشافعية كما فعل الهاشميون الزيديون. هل كنتم سترونهم طيبين ومسالمين؟ هل كنتم ستصبرون على صعدة وهي تقصف عدن باسم الله والعرق؟ تخيلوا عدن وهي تفرض حصارا على صنعاء لأنها "شافعية وأنت لا"! تخيلوا الحديدة وهي تمنع صعدة من دخول البحر لأن "الشافعية أقرب إلى الله بمسافة مذهب".

لكننا لم نفعل. نحن الذين عشنا في الأحياء المشتركة، وتبادلنا الطعام والزواج والمواويل. لم نضع حراسا على المذهب، ولم نمارس الإقصاء الممنهج، ولم نمنح أبناءنا لقب "سيد" ليعلو على أقرانهم في المدرسة.

المؤسف أن الطرف الآخر، الأقل، هو الذي صنع الجراح، ثم جلس يبكي بجانبها، ويريدنا أن نصدق أن دموعه أطهر من دمائنا!

أجل، جرحهم ناعم ومسرحي، أما جرحنا فغائر. جرحنا في كل قرية تقصف، في كل شيخ يُقتل لأنه قال: "أنا مواطن"، في كل طفلة تُغلق مدرستها لأن والدها ليس من "السلالة". جرحنا حقيقي، لا يحتاج إلى بكائية، فقط إلى عدالة.

فليتأمل السلالة جروحنا، لا ليواسونا، بل ليعتذروا. 
وليتأملوا لو كنا، فقط لو كنا، نعاملهم بمثل ما عاملونا... لرأوا في الشافعية طوفانا لا طوفان له من قبل.

لكننا لم نكن ولن نكون طوفانا، لأننا شعب يؤمن بأن اليمن لكل اليمنيين، لا لحفنة من الناس يعتقدون أن الله سلمهم مفاتيح الوطن قبل أن يخلق الآخرين.
فهمتم ما فهمتم مش مشكلتي..

*نقلا عن صفحة الكاتب على الفيسبوك 


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار